د. شنان محمد الخليل يكتب : *ليتهُ لو كان عاد في المرور!!*
كانت مدينة مدني عروس المدائن في السودان وكانت المغنية مطلع الثمانين تغني *(مدني الجمال وانا مالي)*… وكان المغني مطلع التسعين يغني *(الله فوقو شباب مدني)*… وما دروا ان خلف هذا الإسم الجميل الرنان تكمن مشاكل إنشائية و بنيوية عويصة!!
فأي وجه جميل هذا الذي تخبئه هذه المدينة خلف كل هذا القبح المستشري في مفاصلها الآن؟!
فزيارة السيد الفريق اول البرهان لها في زمن الحرب كانت لها دلالات عميقة و احدثت الأثر اللازم في نفوس المواطنين كزيارته لحاجة حواء وشاي الصباح والزلابية في كرري ومروراً بقهوة ادروب بكورنيش البحر الاحمر ببورتسودان و إنتهاءً بزيارته بالأمس القريب لشارع النيل بودمدني… فالزيارات الميدانية التي يقوم بها المسؤولون بلا شك هي زيارات ذات دلالات عميقة ترسل رسائل تطمين للمواطنين بتلاحم القيادة مع القاعدة…وقد ذهب المحللون لابعد من الزيارة لقراءة لغة الجسد وتعابير الوجه ولغة الخطابة وغيرها لتحليل الوضع العملياتي والسياسي وغيره…
وهذه الزيارات كما اسلفت ذات اثر عميق الدلالة ولكن… تمنيت ان يقوم السيد الفريق اول باختيار اماكن محددة متعلقة بحركة المواطنين وقريباً من معاناتهم بعيداً عن (السانات) و (الدانات) و (الراستات ) و (الواقفين قنا) زيارات تكون مثل مبضع الجراح…تفتح الجرح عميقاً لتزيل عنه الصديد والدم والأذى وصولاً لمرحلة التعافي…
فليت السيد الفريق زار الغُبش (الواقفين صفوف) …
و ليته إختار مناطق معينة ليقف على حجم المعاناة…
وليته اختار المرور على السوق الكبير او السوق الصغير… او إدارة الكهرباء او مرفق المياه…
وليته *لو عاد في المرور*… ليعلم سيادته ان مدينة ودمدني بعد الحرب اصبحت عبارة عن (كوشة كبيرة) … تكاد تتجاوز في السوء مدينة (بومباي) الهندية التي كانت احدى منظمات الأمم المتحدة المهتمة بالبيئة قد صنفتها كأقذر مدينة في العالم… وقد تعافت مومباي ولكن ود مدني لم تتعافى ولن !!…
فالأسواق فيها مكتظة بالبشر ومتعفنة ببقايا الاستعمال البشري… وأكياس النفايات المنتشرة الكاملة و المحروقة التي تملأ ابخرتها الهواء فتزيده تلوثاً…في ولاية زراعية يُخرّب النايلون تربتها ويفسد هواءها دون ان تجد تشريعاً يجرّم ذلك!!
*لقد ماتت مدني* عندما تحملت ضغط سكاني يوازي عشرة اضعاف قدرتها التحملية… اكثر من ستة مليون نازح لمدينة مصممة لموظفي مشروع الجزيرة و وزارة الري وبعض المصالح الحكومية وبعض تجار الخضر والفاكهة والماشية والقليل من مشجعي الاهلي والاتحاد بما لا يتجاوز الستمائة الف مواطن…
*لقد ماتت مدني* عدة موتات او عدة ميتات….
*ماتت مدني* يوم (تكلست) أجهزة الدولة فيها فجلس المسؤولون فيها في المكاتب ينتظرون التقارير الباردة المزيفة التي تجمل الحال المائل… *وماتت مدني* يوم استوطنتها جحافل السكن العشوائي كمهدد أمني وبيئي واجتماعي… وتمددت فيها خموراً ورزيلةً …*وماتت مدني* حين ماتت الضمائر فيها وأصبح الكل يتاجر في الأزمة… فارتفعت الإيجارات واصبح انسانها يستغل اخيه الانسان من أجل حفنة دولارات!!
فأصبحت ود مدني مدينة العطش ومدينة الظلام و(مدينة الذباب) !!…
هل تصدق يا سيادة الرئيس ان مدينة بحجم ودمدني تجلس على ضفة النيل وتشرب من الآبار الجوفية؟!
هل تصدق يا سيادة الرئيس… أن الناس على مرمى حجر من النيل وتشتري الماء للشرب وللإستعمالات الآدمية من اصحاب (الدرداقات) من ام سنط وحتى (دردق) !! وذلك لأن المياه من الآبار و الآبار تعمل بالكهرباء والكهرباء معدومة!!
هل عجزت كل الحكومات التي تعاقبت على سدة الولاية عن تشييد محطة نيلية تروي عطشى ود مدني؟!
هل تصدق يا سيادة الرئيس أن ودمدني هي الان المدينة الأكثر ازدحاماً بالسكان في السودان وهي المدينة التي تحظى بالحصة الاقل من الكهرباء فالكهرباء (تنعدم) فيها لاثنتا عشرة ساعة او قل تعمل فيها اثنتي عشرة ساعة فقط تزيد قليلاً او تقل كثيراً….(إن اردنا أن ننظر للنصف الممتلئ من الكوب)!!
*ليته لو كان عاد في المرور…*
*يبري دائي ويغمرني نور…*
*غاب عني…*
والسيد الفريق اول البرهان يهم بركوب المروحية مغادراً باحة الفرقة الأولى مشاه… ليته لو عاد في المرور فزار مستشفي مدني او رئاسة مشروع الجزيرة… لو كان زار اي موقع من هذه المواقع لكان أصدر قراراً تاريخياً بعودة الدكتور محمد طاهر أيلا والياً لولاية الجزيرة ليعيد الامور إلى نصابها ويحرك المشروعات التي توقفت برحيله… مطار ود المهيدي… ومحطات المياه و سفلتة الطرق و إنارتها… وإقالة مدير الكهرباء… و (جز) الحشائش والاعشاب والشجيرات التي تملأ المدينة وتأسيس شركة نظافة لتجمع النفايات ومكافحة الافات و الأوبئة التي تفتك بالمدينة وصيانة المستشفيات وتنظيم الأسواق و مواقف المواصلات… وغيره من البرامج…لتعود ودمدني كما كانت ملهمة الادباء والشعراء.
وكفى.
*دكتور. شنان محمد الخليل*
*(24 القرشي)*
5 ديسمبر 2023 م.