ياسر الفادني يكتب …. *وعاد ….فرح الرجوع مُنية !*
ياسر الفادني يكتب ….
*وعاد ….فرح الرجوع مُنية !*
ضجيج الحواس أكثر وقعا من ضجيج الأمكنة ، تارة يلهم صاحب النبض الشعري أن تتفجر قريحته نظما فرحا كان أو حزنا أو سكونا في منطقة وسطي بين هذا وذاك ، وأصعب مايكون ضجيج الحواس عندما تفقد عزيزا… له في قلبك وقع كبير ومكانة عظيمة في الحياة أو فقدته حين ممات وهنا يأتي ضجيج الحاسة رثاءا في شكل قصيدة ، لعل شاعرنا قاسم أبوزيد من الذين تمكن فيهم هذا الضجيج إلي حد بعيد تشبث باوصال أحاسيسه
اغنية سافر التي وضع فيها الشاعر قاسم ابو زيد عصارة إبداعه الكتابي وصنع فيها مفردات وعبارات وجمل من ذهب مرصعة بماس من أجراس موسيقية كلامية فاقت حد الكلام الراقي الكلام الشفيف الحساس ، أغنية سافر التي صدح بها الفنان القامة الراحل المقيم مصطفي سيد أحمد هي أغنية تعتبر من سيدات اغاني عندليب ودسلفاب السودان ، تلك القرية الوادعة الجميلة التي وهبته الفن والصوت الجميل الذي لا يتكرر ، الأغنية التي بدأت بضجيج الاحساس لا ضجيج المحسوس ، مطارات الوداع ضجت ….قدامك وراك بيضا
وسماك غناي…مساحات الأسى الفي عيونا تتفجر مدينة وناي
خيوط إبداعية فريدة نسجها العلامة ابو زيد ، هذه الخيوط التي تحولت إلي أوتار مشدودة في إنتظار نقر الأصابع المتمرسة في العزف الموسيقي الراقي كيف لا…. وقاسم أبوزيد درس في معهد الفن والجمال معهد الموسيقي والمسرح ونهل من علوم هذا الصرح الشامخ الذي خرج رموز الفن ورموز الموسيقي وقامات المسرح والتمثيل ، من أبرز من انتج من عسل كلمات مصفي تغني بها عددا من الفنانين ، ضليت ، عباد الشمس، نشوة ريد ، سافر ، قولي الكلمة ،درع الاميرة ، علميني الاحتمال
أبوزيد يعتبر من رواد مدرسة الشعر ذات الأجنحة الطليقة الحرة التي ترفض السائد بل تمردت عليه لا تمردا ظالما بل تضفي عليه لمسة ساحرة حديثة ليس وحده بل معه كثير من الشعراء من جيله ، مدرسة قاسم أبوزيد ترفض القوالب الجاهزة لاغنية كانت تخاطب الانثي كانثي عباءتها كلمات ضيقة وشفافة ، قاسم أبوزيد رجل طوع الكلمة وغسلها بماء الجمال ، المفردة تخرج منه وهي حية متحركة ، هو مخرج يخرج الدرر حين يلفظ بها يخرجك لعالم ترقص فيه طربا !
قاسم أبو زيد كثير العتاب علي الحاضر مع عدم تاسفه علي الذي مضي ، يرسم الكلمات بصورة عجيبة ويبدع وصفا وتشبيها وجمالا ، كتير بنعاتب الحاضر …ولا اسفا علي الماضي ، مداك …. إتعدي حد الشوف …دخلت علي الشعر إنسان ، هواك إتخت فوق الجوف ، وأكثر مفردة أعجبتني هي جملة وانتحر النهار هسه !! شكل في هذه الجملة نبضا عجيبا واستعارة يمكن أن نصنفها من أروع ماجادت به قريحة شاعر في هذا الزمان
في كلامه عرفنا كيف أن المدن تهرم وتشيخ وكيف أن القري تروح وتجي وتروح مرة أخري دون عودة ، الشاعر قاسم أبوزيد والقامة الراحل الخالد فينا الفنان مصطفي سيد أحمد جمع بينهما الفن وجمع بينهما الجمال وجمعت بينهما دموع الحاضرين التي ضجت وتلك الزغاريد التي غطت الدنيا ، وجمع بينهما صدي الريح والسنبل الغناي ، هذ هو النبض الشعري وهذه هي الأغنية التي أن سمعتها تعيش معها بكل احاسيسك ومشاعرك ، ودا الشعر ودا الغنا ولا بلاش .