منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. أسامة محمد عثمان حمد يكتب: *الاسلاميون بين مغالبة سلطة الحكم ومصالح الوطن*

0

جاءت الإنقاذ الي مقاليد الحكم مدعومة من الحركة الإسلامية السودانية وفقا لخطوات محسوبة داخل المؤسسة العسكرية السودانية التي لم تكن تتواجد فيها منفردة بل كانت متواجدة بها جميع الاحزاب السودانية الأخرى التي أستخدمت عضويتها من قبل داخل المؤسسة العسكرية لاستلام السلطة وفقا لمبرراتها التي دفعتها لذلك في حينها وكانت لها دفوعاتها وعلى راسها الحزب الشيوعى السوداني في ما عرف بثورة مايو (المجيده) و ما صاحبها من أحداث بعد ذلك في محاولة للانقلاب على جعفر محمد نميري بقيادة هاشم العطا، ولجميع التنظيمات السياسيه قدم سبق عن الإنقاذ في تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان منها ماهو فاشل ومنها ماهو ناجح في التنفيذ وفشل في الاستمرارية قياسا بطول أمد الحكم فلم تكن الحركة الإسلامية السودانية ممثلة في الجبهة القومية الإسلامية حينها مبتدعة الانقلابات العسكرية في السودان ولم تكن عضويتها ذات اقلبية في المؤسسة العسكرية السودانية ولكنها كانت الأكثر تنظيما على الصعيدين السياسي والعسكري إضافة إلى الصعيد الاقتصادي و قدرتها الفائقة على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة مما يدلل علي قدرتها الإدارية الفائقة مما جعلها التنظيم السياسي المرعب خارجيا لتوجهاته الإسلامية وداخليا لبقية التنظيمات السياسية السودانية خاصة بعد انتخابات الديمقراطية الثالثة والتي حصد غالبية اصواتها حزب الأمة الذي لم يكن بمقدوره تكوين الحكومة منفردا الا عبر تحالف مع حزب اخر وكان يليه في الترتيب الحزب الاتحادي الديمقراطي ثم الجبهة القومية الإسلامية بفارق شاسع وبقية الاحزاب الأخرى التي خاضت تلك الانتخابات.
أنا هنا لست بصدد الحديث عن إنجازات او اخفاقات تلك الفترة من تاريخ السودان ولكني بصدد الوقوف على نقاط محدده متعلقة بعملية أضعاف الدولة حينها عن عمد وبايدي سودانية تخدم اجندات وخطط خارجيه بعضها كان عن وعي و دراية تامة عن ما تقدمه من خدمات تحركها الايدلوجيا واخرى تحركها المصالح الذاتية الضيقة كل ذلك ادي الي أضعاف أجهزة الدولة التي عمدت حكومة الصادق المهدي الي تفكيكها فيما عرف بإبعاد سدنة مايو و المحاكمات الشهيرة وطال ذلك التفكيك بصورة اساسية الأجهزة الأمنية بصورة عامة وجهاز الأمن بصورة خاصة وكان ذلك واضحا في حالة الهزال الكلى الذي اصاب الدولة ومن ثم انفرط عقد الأمن وقوية شوكة حركة التمرد في جنوب السودان وتمدت حتى شملت مناطق النيل الأزرق والنيل الابيض وجنوب كرفان.
كانت الجبهة القومية الإسلامية في المعارضة حينما احتدم الخلاف بين الصادق المهدي والميرغني حتى حُلت الحكومة وكان لابد من ما ليس منه بد.
تحالف الصادق المهدي مع الجبهة القومية الإسلامية لتكوين حكومة لم تجد حظها من الوقت لتنجز شيئا وما ان تكونت حتى تحركت الكوادر اليسارية داخل القوات المسلحة مطالبة في مذكرتها الشهيرة بإبعاد الجبهة القومية الإسلامية رغم دعم الجبهة المباشر للقوات المسلحة إعلاميا وماديا، ولقد سبق ذلك تبرع نواب الجبهة (دون غيرهم) في البرلمان بسياراتهم لصالح دعم المجهود الحربي ضد الحركة الشعبية التي تمددت في الوقت الذي كان بتصارع فيه نواب البرلمان على كراسي الحكم ويتامرون على أبعاد الجبهة التي رغم التحالفات ضدها وضد زعيمها الدكتور حسن الترابي حلت ثالثا باكتساح تام لجميع دوائر الخريجين وكان للاحزاب الجنوبيه نصيب مميز من الأصوات و هزال اليسار كان بينا.
كان لوجود الجبهة القومية الإسلامية في القوات المسلحة حينها دور كبير في نجاح ثورة أبريل وانضمام القوات المسلحة بقيادة المشير سوار الذهب رحمه الله رحمة واسعة الذي اوفي بما وعد وذهب الي حال سبيله يبذل جهدا في مجالات العمل الطوعي والدعوي لصالح السودان خاصة وأفريقيا عامة، خلال تلك الفترة التي اعقبت تسليم الحكم للمنتخبين من قبل العسكريين حدثت العديد من المحاولات الانقلابية من قبل عسكريين ينتمون الي تنظيمات سياسيه مختلفه متباينة تارة منفردة واخرى متحالفة وكان على راسها الحزب الشيوعى السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي لعبت قواعد الحركة الإسلامية دورا كبيرا في افشال تلك المخططات لصالح استمرار الحكم الديمقراطي وانجاح التجربة الديمقراطية الثالثة وكانوا على يقين من ان استمرارها سوف ياتي بهم على قمة الحكم وهذا اليقين هو نفسه كان لدي التنظيمات السياسيه الأخرى مما دفعها لمحاولات التعجيل بالسيطرة على الحكم و تغييره عسكريا حتى تحول دون وصول الجبهة القومية التي كانت تراقب و ترصد كل شئ على أرض الواقع السياسي والامني وكلما افشلت انقلابا زاد حنق الفاشلون وزاد غبنهم عليها وهنا كان لزاما عليها اسراع الخطي بانقلاب ٨٩ الذي أطلقت عليه ثورة الإنقاذ حيث كانت لها دفوعاتها التي جعلتها تقدم على ذلك مثلما قدم الآخرون دفوعاتهم التي كانت تشكل قناعاتهم مثلما مثلت ثورة الإنقاذ قناعات الكثير من افراد الشعب السوداني حينها نتاج لكم الضغوط التي كان يعاني منها المواطن الذي كان يصحى كل يوم على اخبار تمدد الحركة الشعبية المتمردة واخبار الانقلابات العسكرية المتفرقة إضافة إلى تداعيات المجاعة و النزوح و صعوبات المعيشة.
جائت الإنقاذ من رحم الحركة الإسلامية السودانية التي هي من رحم الشعب السوداني كوادرا وفكره تحمل رؤيتها وخططها الواضحة لإدارة الحكم تركيزا على الأمن والاقتصاد بصورة أساسية فعمدت مباشرة إلى تقوية القوات المسلحة والشرطة و جهاز الأمن هذا فيما يتعلق بالجانب الأمني اما في الجانب الاقتصادي فكان الاهتمام بالزراعة هو الأولوية الأولى إضافة إلى الاجتهاد في مجال الطاقة والتعدين وخاصة التنقيب عن البترول وما صاحب ذلك من مفاوضات ومناورات و تكتيكات متتابعة حتى كللت بالنجاح و رفد البترول خزينة الدولة وحقق فائض رغم قلة الإنتاج ونصيب الدولة في الشراكات حسب الاتفاقيات المبرمة معها. وفي جانب الزراعة كان الاكتفاء الذاتي حاضرا بنسبة كبيرة في مجال القمح والذرة والسكر وتلي ذلك حالة استنفار العامة لطاقات المجتمع في كافة المجالات ولكن ظل تحدي العلاقات الخارجية قائما خاصة مع الغرب والدول العربية التي صنفت الإنقاذ ضمن تظيم الاخوان المسلمين الذي تخشاه تلك الدول وتحاربه داخليا خاصة بعد انقضاء حروبات أفغانستان بدأت الولايات المتحده وحلفائها في محاربته علنا وبصورة كلية وهنا كان التحدي الأكبر للانقاذ وكانت الضغوط تشتد يوما بعد يوم خاصة في محور الجنوب الغني بالبترول حيث يتركز اكثر من ٧٥٪ من بترول السودان حينها حتى افلحوا في فصله عن السودان الاصل وكانت دولة جنوب السودان الوليده.
وبرغم جميع هذه الضغوط افلحت حكومة الانقاذ في تحقيق إنجازات ضخمه على مستوى التنميه العمرانية والبشرية والصناعية والاقتصادية فكانت مشروعات الطرق القوميه التي تربط السودان بجميع أطرافه وبناء السدود المائية لتنظيم الري وتوسيع الرقه الزراعة وتوليد الكهرباء، وكانت مشاريع حصاد المياه ولكن كان للاهتمام بالصناعة عامة والصناعات العسكرية خاصة هو نقطة التحول الكبرى في مسار الضغوط الدولية لأجل التعجيل بإسقاط حكومة الانقاذ فكان التركيز على العمل الداخلي اكبر مع دعم حركات تمرد دارفور وبناء منظومات الاختراق الداخلي حتى سقطت الإنقاذ وكان لكثير من أبنائها دور في ذلك.
وايضا مثلت هذه المرحلة فيما عرف بثورة يوليو مرحلة تاريخية جديدة من تاريخ السودان ولكنها شبه معادة فقط بطريقة اكثر سوءا وترتيبات اكثر مكرا تم التخطيط لها منذ بدايات الإنقاذ الأولى دليل على صبر المخططين والداعمين على قلة صبرنا سودانين لنحقق ما نصبوا اليه منفردين، لأننا لا تحركنا رؤية وطنية موحدة بل تحركنا الغرائزية الفردية سواء كانت فردية حزبية او مناطقية او شخصية او قبلية نحو افشال اي عمل لم نكن جزء منه او قام به من نناصبه العداء دون التفكير في العائد من هذا العمل علينا وعلى الآخرين مستهدين برؤية كلية تحقق الصالح العام.
لقد حركت هذه العداءات الذين يدعون زعما انهم قادة هذه الثورة التي كان من الواضح علاقتها بأجهزة استخبارات ومنظمات دولية تخطيطا ودعما وتنفيذا بمجاهرة واضحة من خلال تواجد عناصر دبلوماسية وغير دبلوماسية أجنبية في ساحات التظاهر و اللقاءات المستمرة المعلنة مع قادة تنظيمات المعارضة فيما سمي بتجمع الحرية والتغيير ( قحت) لاحقا، فلم يكن لهؤلاء ان يبذلوا كل ذلك الجهد والدعم لأجل أن يتحول السودان الي دولة ديمقراطية في ظل وجود هذه الموارد التي تتدفق خيرا علي أهله ذهبا أسودا واصفرا قمحا و ذرة بأنواعها وفول وسمسم وصمغ عربي و مشروعات تتوسع يوما بعد يوم والخطط المرسومة مسبقا معلومة الأهداف يمضي كذلك تنفيذها، وكانت الأجهزة الأمنية هي الركيزة الأساس و خرجت القرارات تلي القرارات لأضعاف المنظومة الأمنية بصورة كلية ناهيك عما صاحب الثورة من شعارات فكانت كشوف الإحالة الي المعاش في صفوف ضباط القوات المسلحة والامن والشرطة بدواعي عده منها ادعاء ان البعض كان يخطط لانقلاب عسكري لصالح الاسلاميين وكانت تصفية الحسابات حاضرة وبصورة واضحة خاصة للذين كانوا ينادون بدمج قوات الدعم السريع او تسريحها وصحب ذلك قرارات حل المؤسسات الداعمة للأجهزة الأمنية مثل الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية والخدمة الوطنية، وتخلخلوا داخل منظومة الدفاعات العسكرية عبر مدنين طالبوا بإلزامية وجودهم بها رغم حساسية الأمر وهنا يلح السؤال هل كان كل ذلك صدفة؟ وسؤال اخر عن من اطلق الرصاصة الأولى ومتى؟ لم تعد الإجابة خافية عن احد الا المجادلون الذين يعمدون الي ذلك لأجل تشتيت توجهات وحدة صف الوطن ودافعهم الأساس مصالحهم الذاتية وتوجهاتهم الحزبية الضيقة.
……

#منصة_اشواق_السودان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.