عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو يكتب: لماذا لا تكون لدينا سياقات ثابتة ومتجددة لمجابهة خطاب الكراهية في السودان؟.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو يكتب:
لماذا لا تكون لدينا سياقات ثابتة ومتجددة لمجابهة خطاب الكراهية في السودان؟.
*1/* نلاحظ دائماً مع زيادة حدة التوترات والخلافات السياسية وإندلاع الحروب، ونشوب الأزمات، وإحتقان المشهد السياسي في السودان، ومخاطر التدخلات الخارجية، وإرهاصات تقسيم البلاد، يظهر خطاب الكراهية ورفض الاخر بوضوح ويكون هناك من يعمل على تعميق الصراع السوداني سوداني، بالرغم من أننا نعيش في بلد يشهد تنوعاً كبيراً في مكوناته الاجتماعية، إلا أن البعض ونتيجة لعوامل كثيرة يسارع إلى الإستعانة بخطاب الكراهية كما فعل حميدتي زعيم عصابة آل دقلو عندما استخدام خطاب الكراهية كسلاح لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية عبر اعتماد رسائل تحريضية نحو قبيلة بعينها لإثارة الفتنة والتهديد بتحويل الحرب إلى حرب قبلية، وفي ذات السياق قام بإستخدام خطاب الكراهية وهاجم في لغة تحقيرية وتمييزية موغلة في البذاءة أشخاص بالأسم وقبيلة بعينها، مما يدل على إن هذا الخطاب غالبًا ما يكون متجذرًا في دواخله منذ أمد بعيد وموجود لدى جماعته من المليشيا والمرتزقة وتم استخدامه مؤخراً لتوليد وإثارة العنصرية والتعصب والكراهية، بقصد أن تكون النتائج مؤذية ومسببة لإنقسام الجبهة الداخلية.
*2/* يُعتَبَر خطاب المتمرد حميدتي أداة لكي يتحول العنف والصراع من الواقع الحقيقي إلى الفضاء الافتراضي، وتتفاقم إشكالية تنامي الخطابات التي تدعو للعنف والكراهية وتؤطر للخلافات والإنقسام، وتتعدد أشكال هذه الخطابات وفضاءتها، في ظل ما يشهده السودان من حرب واحتقان وتوجس وعدم ثقة في الآخر، مما يجعل مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في التحريض على العنف، وتأجيج خطاب الكراهية، وإثارة الفتن بين الأطراف المتنازعة، ومن الملاحظ أيضاً أنه قد إستُحدثت مؤخراً العديد من المنصات الخبرية على غرار مواقع التواصل الإجتماعي التي حادت في السنوات الأخيرة عن دورها الأساس كمنصات للوعي والحريات المفتوحة، لتصبح أوعية تحتوي هذا النوع من الخطابات الهدامة التي تشكل خطراً حقيقياً على المستوى الفكري والأخلاقي والثقافي والإجتماعي للمجتمع عموماً، وللشباب بشكل خاص على إعتبارها الشريحة الأكثر إستخداما لهذه المواقع، والتي أصبحت تحت طائلة الإتهام بكونها شريكاً في نشر “العنف الإلكتروني” الذي مآله لا محالة الإنتقال مرة اخرى وبعنف من مواقع التواصل إلى الواقع الحقيقي.
*3/* لا يختلف كثيراً خطاب الكراهية على الإنترنت في جوهره عن خطاب الكراهية خارج الفضاء الإلكتروني، ولكنه يتميز في طبيعة زيادة التفاعلات عند حدوثه، وكذلك في استخدام وانتشار كلمات محددة ومضامين جديدة تسهم في غسل الأدمغة، وتبلغ ذروتها في قابليتها لكيل الإتهامات والتلفيق من وحي الخيال، ونشر نظريات المؤامرة التي تمهد لظهور الشائعات وقبولها، حتى تطير على أجنحة الكراهية لتنتشر بسرعة كبيرة في غضون ساعات قلائل.
*4/* الجدير بالذكر إن المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تفرض قيودًا معينة على الكلام وتطلب إلى الدول “أن تحظر” بعض أشكال الكلام التي تدعو إلى “الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية” وتمثل “تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف”، ووَفقًا لإطار الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية، فإن كل التحريض على التمييز أو العداء أو العنف هو خطاب كراهية، ولكي تسفر أعمال التحريض عن العنف، فإن الأمم المتحدة تنص أيضًا على ضرورة وجود العناصر الآتية: السياق المؤدي إلى العنف والمتحدث المؤثر والفعل الكلامي الذي يُنشر على نطاق واسع والجمهور المتقبل والمستهدَف (عادة ما يكون الجماعات المهمَّشة والمتمردة)، ويعد الفعل تحريضًا على العنف عندما توجد نية لدى المتحدث للدعوة إلى العنف أو التسبب فيه وعندما يوجد أيضًا احتمال بأن يؤدي الفعل إلى العنف، ويمكن التصدي لخطاب الكراهية هذا عبر القنوات القانونية وتفعيلها.
*5/* لمجابهة هذه الظواهر والأفعال لابد من إنشاء جسم أو هيئة أو منظمة لرصد المحتوى الإعلامي، يضم المختصين والخبراء والقانونيين، لرصد ومناقشة أساليب خطاب الكراهية والتحريض على العنف المنتشرة على الصفحات والمجموعات السودانية المحرضة، أو تلك التي تنقل الأخبار والمقالات المختلقة والمفبركة قصداً لكي تساهم بشكل كبير في زيادة الأزمة السودانية، وهي في معظمها صفحات مشبوهة وحسابات وهمية تستخدمها جهات مجهولة المصدر، عن طريق مدونين مثيري للفتن والتحريض، وأغلب هذه الصفحات تسهم في نشر أخبار مضللة وكاذبة، في ظل انتشار السلاح بشكل كبير، وتغييب دور المؤسسات الأمنية الرسمية والدوائر القانونية في البلاد، ولذلك لابد من التركيز والتشدد القانوني والعقابي في رصد الإخلالات المهنية الأعلامية، ودعاوي العنصرية والتحريض والسب والتشهير وانتهاك الأعراض والوسم، والدعوة للعنف والقتل، وتمجيد الإساءة إلى الشخوص والرموز والقبائل، واستهداف مؤسسات الدولة، والتحقير والمس بكرامة الإنسان، وعدم الدقة والموضوعية في نقل الاحداث والنزاعات المسلحة، ونشر صور القتلى وعائلاتهم من ضحايا النزاعات والحروب، وجميع الإخلالات التي تتعلق بالتمييز العنصري القائم على أساس الجنس والدين واللون، ومن هذا المنطلق، لابد أن تقوم الهيئة المقترحة بالتوعية أولاً بدورها المنوط بها في مكافحة خطاب الكراهية، وضبط الجودة في وسائل الاعلام، وليست لتكميم الأفواه ومحاربة النشطاء والصحفيين والمدونين، وأن تقوم بعد ذلك بعقد جلسات حوارية وورش عمل تحت عنوان “خطاب الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي” وأن يتم إستكتاب الخبراء والمهتمين والمختصين وبخاصة في الميديا الإلكترونية، ومن ثم تشريع قانون أو أمر طوارئ واضح ورادع لكبح خطاب الكراهية والعنصرية.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو