وقائع وتوقعات د.ربيع عبدالعاطى عبيد يكتب : *النصيحة واجبة*
وقائع وتوقعات
د.ربيع عبدالعاطى عبيد يكتب :
*النصيحة واجبة*
ü لا يهلك قومٌ ، إلا إذ صمت حكماؤهم وعقلاؤهم عن النصيحة ، أو صَمَّ من تتوجه له أذنه ، وسدر فى غيه بينما تحفر حوله الحفر ، وتزرع الألغام ، فيموت الإحساس ، ويصدق القول بأن لا حياة لمن تنادى .
ü والنصيحة ، فى أغلب الأحوال قد لا تكون حلوة المذاق ، أو أنها غير مغلفة بطبقة من السكر ، الأمر الذى يجعل متلقيها كارهاً ، ولكن كان خيراً له أن يتناول علاجاً فيبرأ ، ويستمع لحديث فيستجيب تجنباً لهلاك وإبادة ، وإستهدافاً لحياة وسعادة .
ü وقد يشعر المرء بأنه على حق عندما تغيب عنه آراء الآخرين ، ولا يجد إعتراضاً من معترض ، وعندئذ تتشكل العقيدة لديه على نحوٍ معوج ، وتقوم على أساس مهترئ ، خاصة بأن الحق لا يقوم على رجلٍ واحدة ، ولو كان الأمر كذلك لما تضمنت آراء الفقهاء عدداً كبيراً من الآراء والأحكام فى قضية واحدة ، بإختلاف الظرف ، ومعطيات الحال ، وبعد النظر لمعرفة المآلات.
ü ومن تجربتى الشخصية ، إستطعت أن أقف على حقيقة عندما أهم بكتابة مقال ، أو إجراء بحث ، فأجد بأنه كان قاصراً ، ومعتلاً فى بعض جوانبه ، من حيث مضامينه وفقراته ، ومنهج المعالجة ، وذلك عندما أعرضه على آخرين لإبداء الملاحظات وأغراض المراجعة ، والتحاور حول ذلك المعنى ، أو تلك الصياغة ، أو أية ناحية من النواحى التى تجعل الموضوع ، أو المقال ، مستوعباً الذى كان هدفاً وغرضاً من كتابته ، ونشره على أوسع نطاق.
ü والنصيحة لمن يكلف بمهمة ألا يركب الصعب ، ويصر على إجراء ، دون أن يستشير ويستمع ، وتكون له القدرة العالية على قبول الرأى حتى ، وأن كان مخالفاً لما كان وشيكاً على الإصدار والإجراء والتنفيذ ، ذلك لأن المبنى الضخم ، والبرج الشاهق ، سوف لن يقر له قرار ، أو يسلم من أنهيارٍ وسقوط ، إن لم ينشأ على قواعد ثابتة ، وحسابات دقيقة ، وتصور هندسىٍ يتفق مع أغراض لهذا البرج ، أو ذاك المبنى ، وما خطط له من أهداف .
ü والإستماع للنصيحة ، ليس من الخصائص اليسيرة ، ولا هو من قبيل التباطؤ والتقاعس ، وإنما تلك خصائص لا يكتسبها المرء إلا بالترويض والتجربة القائمتين على تحكيم العقل ، ومفارقة النزوع نحو الإستكبار والطغيان ، وأسوأ الذين لا يعلمون ، ويزايدون وهم على غير علم ، من يستحون من طلب النصح ، أو يتكبرون عليه ، فتغيب شمسهم ، ويأفل نجمهم ، ويُحرق حصادهم ، فيتحول أمام أعينهم إلى هشيم ورماد ، وعندئذ ، يصعب على من لم توضع لنصيحته إعتبار ان يجمع دقيقاً وقد نُثِر بفعل غباء وصم للآذان على شوك كثيف ، بالإضافة إلى رياح عاتية إقتلعت أشجاراً ثم تبع ذلك نارٌُ قضت على أخضر ويابس سواء بسواء .
ü وَتقَبلُّ كلمات النصيحة ، لا يؤهل لها المرء بين يوم وليلة ، ومن الصعب عليه أن يعتبر بتجارب الأخرين ، إلا إذا إصطدم بصخرة فأدمته ، أو وقع فى فخ ونجا منه ، وإن حدث ذلك يستطيع من خاض التجربة بنفسه ألا يقدم على عمل إلا إذا سعى وراء من ينصحه ، ويستشير الذى ينفعه ، ويقدم ويؤخر ، فلا يستعجل النتائج ، ولا يدعى بأنه هو الذى يقرر ويحدد ، وهكذا فإن الإستماع للنصائح ، والإستجابة لها ، يغدو أمراً لازماً لنجاح المشروعات ، وعظيم الإنجازات ، والقدرة على سبر الأغوار تجنباً لسفرٍ فيه وعثاء ، أو طريق محاط بالخطر ، وملئ بالأشواك والأقذاء .
ü والنصح ، لا يقتصر على المهام الموكله على الأباء والأمهات ، ولا هو المحتكر لدى المجالس والهيئات ، وإنما هو القيمة الدائمة ، والمنهج الواجب الإتباع فى كل أمرٍ وكل آن .
ü ويشمل ذلك ، أولئك الذين نهضوا لقيادة الأمة ، ولا يجوز لهم ما داموا قد إرتضوا مثل تلك القيادة ، أن ينفردوا بقرار إلا بعد تروٍ وإستشارة وقدرة على مضغ النصيحة التى تأتيهم حتى وإن كانت مرة كالعلقم .
ü وقد لا يملك الناصح طبلاً ، أو بخوراً ، أو تصحب نصيحته موسيقى تشنّف الآذان لكنها كلمات الصدق النافذة ، وعبارات الوفاء المجردة من الزيف والطلاء ، ذات النتائج الواعدة ، والمحصلات الضامنة للفوائد الجمة والسلامة العامة والوصول إلى البر الآمن ، مهما عصفت الأنواء ، وصاحبت السفينة أمواجاً هائلة ، لكنها بذلك تستطيع أن تمخر العباب.
ü والذين يفترض فيهم أن يصدعوا بالنصيحة ، هم كذلك لابدّ أن تكون الجرأة من خصائصهم ، فلا يمسكوا كلمة حق فى حلوقهم ، وعليهم أن لا يترددوا لتنبس بها شفاههم ، وتنطق ألسنتهم ، خاصة وأن الساكت عن الحق ليس أقل من الشيطان الأخرس .
ü ووجوب النصيحة ، يبقى عنصراً أساسياً لتمارسه مجالس الإدارات والبرلمانات وهيئات المستشارين ويسرى ذلك على جميع المواطنين صغيرهم وكبيرهم ، وزيرهم وخفيرهم ، بمن فيهم المزارع فى مزرعته ، والراعى بين أغنامه ، والشرطى وهو يمارس وظيفته ، والموظف الذى يكتب التقارير ، أو المدير الذى بيده القلم .
ü وكلهم إذا غابت النصيحة عنهم ، لزلت قدم بعد ثبوتها ، وعين بعد إبصارها ، وثمرٌ بعد نضوجه ، وعملٌ كان بالإمكان أن يكون مثمراً ، لكنه تحول بغفلة وإغلاق لباب النصيحة والناصحين ، إلى هباء منثور ، وتراب مطمور ، وذرات رملٍ عصفت بها الرياح ، وعندئذٍ تموت المروءة ، ويفشل الرجال ، وتصرخ النساء ، ويسود بين النّاس الإكتئاب والضجر ، ويا للحسرة عندما لا تكون النصيحة حادية للركب فيعم الضلال ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .