منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. محمد صالح الشيخابي يكتب : *سعادتو العطا: أوقف النزيف و لا استأصل الطوحال؟؟!!* ..

0

د. محمد صالح الشيخابي يكتب :

*سعادتو العطا: أوقف النزيف و لا استأصل الطوحال؟؟!!*

..


*التوقيع:*
بلادي بلادي اسلمي و انعمي..
سأرويك حين الظما من دمي..

واقعة حقيقية حدثت لأحد الأطباء السودانيين حيث دخل عليه في المستشفى مريض ينزف من جرح في يده و يمسك بطنه بيده الأخرى و يبدو كمن يعاني من ألم أو مغص في البطن .. و دخل معهم أحد أطباء الامتياز..
.. رطن طبيب الامتياز مع الطبيب بكلمة من ثلاثة أحرف باللغة الإنجليزية هب الطبيب على اثرها بسرعة شديدة و وجه الممرض وطبيب الامتياز بالعناية بجرح المريض الذي في يده ثم خرج و عاد بسرعة و معه عامل النقالة وضع المريض على نقالة و اندفع به بنفسه بسرعة جنونية و اقتحم به غرفة العمليات و هو يطلب من طاقم التخدير و محضري العمليات تخدير المريض فورا و البدء في التحضير لعملية استكشاف عاجلة ( فتح البطن بغرض الاستكشاف ) ..
ظاهريا ً قد يبدو لغير المختصين أن الطبيب مخطئ و كان عليه أن يعتني بحالة النزيف أولا ً و هو ما ذهب إليه مرافقي المريض الذين حاولوا الاعتداء على الطبيب ( و الاعتداء على الأطباء في السودان سوف نعود له في سلسلة مقالات عديدة إن شاء الله بعنون سلسلة مقالات ظُلُمات الحقل الطبي تتناول حقوق كل من المريض و الطبيب على الدولة ..) ..
المهم ..مرافقي المريض الذين منعهم الممرض وطبيب الامتياز من الاعتداء و شرحوا لهم الموقف قالوا للممرض( الدكتور دا يعالج الدم البنزف أول شي و لا يعالج المغص ؟؟ ) ..المغص دا ما حاجة عادية تلقاها قارديا و لا مصران و نحن زولنا قاعد ينزف ..
شرح لهم الممرض و طبيب الامتياز ضرورة العملية الجراحية و طلبوا منهم مرافقتهم إلى المكتب المجاور لغرفة العمليات لمزيد من الشرح بواسطة الجراح و ليكونوا قريبين لأن المريض قد يحتاج إلى أدوية أو نقل دم أو أي شئ من هذا القبيل.

طبعا ً من حق مرافقي المريض التساؤل و من حقهم معرفة الإجابة و من حق الطبيب الإسراع و الشروع في الإجراءات التي تحفظ حياة المرضى فكلاهما لا تقتضي تأجيلا ً للاخرى يمكن استعجال العملية و أثناء ذلك يمكن الإجابة على أسئلة المرافقين و اخذ موافقتهم.

الإجابة عزيزي القارئ كانت كالآتي كما شرحها الجراح و أخصائي التخدير لأهل المريض وهم على باب العملية المرافقون يطلبون منهم فهم كل شيء و طاقم العملية يطلب فقط موافقة سريعة على البدء في العملية لان حياة المريض في خطر محدق .. و الحاصل كان كالآتي عزيزي القارئ :
المريض كان ينزف من يده نزيف وريدي و ليس من الشريان اي أنه ينزف من أحد الأوردة السطحية في الجسم و هو شئ ليس خطيرا ً أبدا ً و لا يهدد حياة المريض و هذه أساسيات يعرفها اي طالب طب أو طبيب بمجرد النظر و الكشف على المريض و بالتالى يمكن إيقاف النزيف الوريدي بالضغط على الجرح بواسطة شاشة أو قطن معقم بواسطة الممرض أو حتى المرافق لحين حضور طبيب آخر ..
أما الخطر الحقيقي على حياة المريض فهو كونه أصيب في حادث حركة و كان يمسك بطنه من الناحية العلوية اليسرى عند منطقة التقاء البطن و الصدر و تبدو عليه علامات الألم الشديد و الإعياء و الشحوب. وكل هذه العلامات مع الكلمة المفتاحية التي نطق بها طبيب الامتياز ( RTA )
(Road Traffic Accident)
و تعني حادث حركة .. كل هذه الحيثيات تقود إلى تشخيص ذي اتجاه واحد و هو أن هذا المريض قد تعرض إلى كسر في ضلوع القفص الصدري في حادث الحركة مما أدى إلى تهتك الطوحال و حدوث نزيف داخلي قد يؤدي للوفاة في فترة وجيزة جدا ً مما حدا بالطبيب الاندفاع بالمريض نحو غرفة العمليات دون مراعاة قواعد إخطار طاقم العملية مسبقا ً و ادخل المريض للعملية بملابسه دون مراعاة محاذير النظافة و التعقيم حتى لان هذه يمكن تداركها فيما بعد .. و أثناء تخدير المريض تم خلع ملابسه و تعقيمه و تم فتح البطن و استئصال الطوحال و إنقاذ حياة المريض بأعجوبة بعد أن تلقى لترين من الدم …

الشاهد هنا أن كل مهنة لها أسرارها فيما يخص ترتيب الأولويات و تحديد مكان الخطورة للتعامل معه أولا بما يحفظ حياة الإنسان و أعضاء الجسم الكبيرة الأساسية مثل الحفاظ الدم و على القلب و الرئتين و المخ و الكلى و الكبد و ضمان عملها بكفاءة .. بالمناسبة الطوحال عضو مهم في الجسم نعم و لكن يمكن الاستغناء عنه تماما ً إذا كان سيسبب نزيفا ً أو أي مشكلة تهدد حياة المريض ..

كما هو الحال في الطب و الهندسة و الإقتصاد و القانون و العلوم الزراعية و الجيولوجيا و علم الاجتماع و غيرها فإن العلوم العسكرية كذلك هي علوم تدرس بالورقة و القلم و يحضر الناس فيها دراسات عليا و ماجستير ودكتوراه و دورات حتمية و اخرى متخصصة و لا يظنن أحد أن الضباط و العساكر يتم تدريبهم فقط على الأسلحة و الجري و اللياقة و قوة التحمل فقط .. بل هناك خطط و استراتيجيات لأي عملية عسكرية تعتمد على كمية القوات المهاجمة و مدى تسليحها و أرض المعركة و غيرها من العوامل فمثلا ً حروب الصحارى المكشوفة تختلف عن حروب الغابات و كلاهما يختلف عن حرب المدن و الشوارع و ثلاثتهم يختلفون عن حرب التمرد الخارجي و اربعتهم يختلفون عن حرب التمرد الداخلي الذي يهاجمك من المسافة(صفر) و هذه الانواع الخمسة من الحروب تختلف إذا كانت حربك ضد دولة او دول و ليس مجرد مليشيا متمردة ..
كل هذه الأنواع من الحروب كانت موجودة في حربنا هذه فالد/عم الصريع تمرد داخلي يايته مدد خارجي عبر الصحراء إلى داخل المدن و الشوارع .. و تدعمه تسعة دول إثنتان منهما نو/وية الشيء الذي تطلب من الجيش خوض هذه المعركة بحسابات دقيقة و ( بالورقة و القلم ) ..

لم يساورني شك لحظة واحدة بأن الجيش و الشعب سينتصرون على عصابة آل دقلو الإرهابية و الدول الداعمة لها فقط تاخر النصر لاسباب يعلمها الله و ربما لحين أن نتطهر من ذنوبنا كلنا شعبا ً و جيشا ً… لم ينتابني الشك لحظة واحدة في نصر الله .. و لكنني أشك كثيرا ً و اخاف كثيرا ً من مرحلة ما بعد الحرب…أخشى أن نعود للحقد و الحسد و التباغض و المكايدات و للعنصرية و الغش و الخداع و المغالاة في الأسعار و أكل مال السُحت و الذنوب و المعاصي ..
كنت أعلم أن الجيش يرتب أولوياته و صفوفه و يرتب غرفة العمليات لاستئصال التمرد المدعوم إما/اراتيا ً ….

و بالمثل و بنفس الفهم نقول لأخوتنا العسكريين أن هناك أمور لا يفهمها إلا المدنيون … شؤون تتعلق بالاقتصاد و الطب و الهندسة و الزراعة و الجيولوجيا و الرياضة و غيرها ولذلك فإن عليهم بعد الحرب بعام واحد أو عام و نصف ( فترة انتقالية _ تعميرية قصيرة ) أن يقوموا بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة مدنية منتخبة ..

الآن عاد الطبيب من غرفة العمليات و اعتذر للمرافقين عن الإستعجال و عن الخطوات التي بدت لهم غريبة أو غير مفهومة بعد أن تمت خياطة جرح اليد و استئصال الطوحال ..
الطبيب طمأن أهل المريض بأن العملية قد نجحت و أن حالته الآن ليست بالخطيرة ..
بعد اسبوع قام الطبيب بتخريج المريض من المستسفى و أعطاه بعض النصائح الطبية بخصوص حالته المناعية بعد استئصال الطوحال و كيفية حماية نفسه من الملاريا و الالتهابات و مضاعفات ما بعد الجراحة و وصف له بعض المضادات الحيوية و قال له ( عندك مقابلة بعد اسبوعين و بعدها لو عايز عملية تجميل لإزالة آثار الحرب / عفوا ً آثار الجرح .. نحن جاهزين))..

– طبعا ً فهمتوني .. –
بعد اسبوعين جاء مريض الطوحال للمتابعة وهو معافى و و جد طبيبا ً آخر غير الذي عالجه فاكمل المتابعة من كرت المريض و في أثناء خروج المريض و مرافقه صادف الطبيب الأول الذي عالجه على باب المستشفى فتعرف كل منهما على الآخر و تعانقا و أصبحا صديقين يعيشان في وطن واحد …

خاتمة :
كنت أود الاسترسال لكن الناس قالوا لي مقالاتك طويلة …

نواصل إن شاءالله…

كونوا بخير :

محبكم الفقير لله:
د. محمد صالح إبراهيم ( الشيخابي )..

يناير 2025

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.