منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د.أمينة العريمي تكتب : *شكوى رباعيه ضد السودان “بلا أقدام”*

0

د.أمينة العريمي تكتب :

*شكوى رباعيه ضد السودان “بلا أقدام”*

علم السودان
1 فبراير، 2025

إستوقفني منشوراً يدعي إقدام بعض دول الجوار الإقليمي للسودان على تقديم شكوى لمجلس الأمن ضد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، توقفت طويلاً أمام ذلك المنشور ليس لأهميته، ولكن لقراءة عمق مرارة الهزيمة النفسية التي سيطرت على كاتبه، ومحاولة فهم المدى الذي وصلت إليه لجان وكتائب مليشيا الدعم السريع بعد تصاعد وتيرة تطاير رؤوس قادتها الذين زج بهم في ميدان لم يألفوه، وبتُ في حيرة من أمري أجدها تتعاظم أمام سؤالٍ لم أجد له قالباً أوصف من خلاله تركيبة تلك المليشيا التي باتت اليوم في مواجهة مع نفسها، واقعة ما بين تصدعاتها الداخلية وهزائمها الخارجية.

الحديث عن إتفاقية رباعية لرفع شكوى في مجلس الأمن ضد السودان بات حديثاً مستهلكاً لن يحقق المكاسب التي ترتجى منه، ولا رواج له إلا في عالم الكاريكاتير الساخر، فالمجتمع الدولي نفسه بات يستثقل نفسه بعد أن أدرك بأن رهانه على مليشيا الدعم السريع فقد قدماه، وسودان الإنقاذ 1989 الذي غُيّب عن العالم لعقود لم يقتصد جهداً في بناء مؤسساته العسكرية، ولم يفتقر لرؤية قيادية لبناء كوادر خاصة تقود تلك المؤسسات إختلفنا أو إتفقنا حولها، ونتيجة ذلك تجلت في هذه الأزمة، فلولا صمود الدولة الوطنية السودانية ومؤسساتها العسكرية والمدنية لكان للمليشيا اليوم قول أخر، فشكراً لسودان الإنقاذ.

بدأت دول الجوار الإقليمي إعادة حساباتها السياسية والأمنية بعد تدفق سيل التقارير الإستخباراتية التي تؤكد قرب حسم المعارك المسلحة لصالح الجيش السوداني، ورغم القبول “المشروط، مدفوع الثمن” الذي قدمته تلك الدول للمليشيا إلا أن سرعان ما أجمعت أمرها على ضرورة الإحتفاظ بخط رجعة مع سودان ما بعد الحرب، ولنلقي الضوء وبإختصار على حقيقة موقف تلك الدول المناط لها رفع تلك الشكوى “تشاد، كينيا، جنوب السودان، إثيوبيا” :

تشاد: الرئيس التشادي محمد ديبي أراه محاطاً بأثمن الفرص، مشكلته أنه غالباً ما يستوقفها، ولا أعلم إن كان يستوقفها للتأمل رغم إدراكه بنجاحها أو يستوقفها حذراً خوفاً من عاقبتها، فديبي الأبن بدأ بتوجيه بوصلته السياسية والأمنية غرباً نحو الساحل الجديد الذي يتطلع للإنخراط فيه، إلا إنه ما زال يترقب وثبة الإقدام المؤجلة التي يريد أن ينفذها للحفاظ على خط رجعة مع الخرطوم، فتقدم الجيش السوداني في كافة المحاور، أثلج صدر أنجامينا وهذه حقيقة قالها ويقولها ديبي الأبن وإن لم ينطق بها، وفي ظل قناعة الخرطوم بتطوير رؤيتها لمفهوم الأمن الإقليمي والتوجه غرباً لدول الساحل الإفريقي، أرى أن ذلك سيساهم في إعادة فتح ملف الطلب التشادي للقاء القيادة السودانية، ومستقبلاً ستعمل أنجامينا ومن خلال حركة العدل والمساواة على الدخول في مثلت التعاون والتكامل الذي يجمع الجيش السوداني مع الحركات المسلحة الداعمة له لتحجيم دور الدعم السريع في غرب السودان تحوطاً من تمكن عناصرها من الشرق التشادي وخلق بؤرة صراع قد تكون القاصمة لحكم “الزغاوة” في تشاد.
كينيا: تقدم العمليات العسكرية للجيش السوداني مؤخراً كانت كفيلة بتغير قواعد اللعبة الدولية والإقليمية، ومثلما تدرك نيروبي بأنها تواجه أزمة داخلية حقيقية، تتمثل في بروز معارضة لها ثقلها السياسي والإجتماعي بعد إنضمام النائب السابق للرئيس “Gachagua” مع “Kalonzo” وزير الخارجية السابق بالتعاون مع وزيرة العدل السابقة “Martha”، فهي تدرك أيضاً بأن الشخصيات الكينية الآنفة الذكر كانت لها طريقتها في التعاون والتنسيق مع الأمن السوداني على مدى سنوات طوال ولن تحتاج الخرطوم لجهد كبير لإعادة ذلك متى ما أرادت، فنيروبي من أكثر العواصم الأفريقية بعد إنجامينا معرفة بمسالك ومداخل ومخارج التركيبة الأمنية السودانية في وقت السلم ناهيك عن وقت الحرب.
إثيوبيا: تدرك إدارة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد بإن تركها للباب موارباً أمام الأزمة السودانية لم يعد يجدي نفعاً خاصة مع ظهور عناصر عسكرية إثيوبية تقاتل جنباً إلى جنب مع مليشيات ‫الدعم السريع، وهذا ما وجدته أديس أبابا بأنه سيكون مدخلاً لا تحمد عقباه مع سودان المستقبل، فهو أظهر أديس أبابا بمظهر اللاحقة بركب المقوضين لسيادة الدولة السودانية في هذا الظرف الدقيق من تاريخ السودان الحديث، ومع تقدم الجيش السوداني وتنامي التقارب الأمني السوداني الأرتيري ستتضاعف رغبة أديس أبابا في العمل على العودة بعلاقتها مع الخرطوم إلى ما قبل إبريل 2023.
جنوب السودان: كما هو معروف بأن إدارة الرئيس “سلفاكير ميارديت” ليس خافياً عليها تعاون العديد من أبناء الجنوب مع مليشيا الدعم السريع والقتال في صفوفهم، ومقتل جزء من أبناءهم في بعض المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيش السوداني كان يمكن أن يحل بالطرق الدبلوماسية، خاصة أن السودان في حالة حرب وسقوط ضحايا مدنيين أمراً وراداً، ولكن تسييس الحادثة لغرض محدد، والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك فهذا أمر لابد من مناقشته وتحليله، خاصة أن العديد من الجنوبيين ومنذ إبريل 2023 سقطوا أسرى وقتلى ولم تقم حمية جوبا إلا مع تقدم العمليات العسكرية لصالح الجيش السوداني، ومستقبلاً: تدرك جوبا بأن المجتمع الدولي الذي يراقب عن كثب تطورات الساحة الداخلية في السودان إن كان يسعى لنشر قوات أممية في السودان فهو قطعاً لا ينتظر شكوى من دول الجوار الإقليمي للسودان، بدليل أن الشكوى الأخيرة التي تقدمت بها جوبا ما برحت مكانها، وإن كانت تسعى جوبا لتكرار ذات الشكوى فلها ذلك، إلا أن تقدم العمليات العسكرية لصالح الجيش السوداني قد يفرض واقع جديد في جنوب السودان في ضوء قدرة الخرطوم على شق الصف الداخلي للقيادة السياسية في جنوب السودان من خلال تحريك عناصر المعارضة التي لم تعد ترى مستقبلاً للدولة في ظل منهج النظام القائم، ولن تحتاج الخرطوم لمجهود كبير في ذلك لخبرتها الأمنية السابقة في ملف الفصائل الجنوبية، وبالتالي فلتكف جوبا ضجيجها ولتعمل على إنجاح مفاوضات “تومايني” بينها وبين المعارضة..
قدرة القوات المسلحة السودانية في تسديد خطى سير العمليات العسكرية المتقدمة التي يقودها الجيش السوداني مؤخراً والتي نجحت في تحييد وتحجيم الكثير من مكاسب مليشيات الدعم السريع باتت هي المحرك الأول والوحيد الذي أجبر المجتمع الدولي الذي بات اليوم أكثر قناعة بقدرة المؤسسة العسكرية السودانية على تغذية وتيرة الإجماع والدعم الشعبي لصالحها، بمهارة رسخت فيها مفهوم الجيوش الوطنية الحقيقية، مما ضاعف إستعداد المجتمع الدولي بدفع الأمور لتسوية سياسية جادة كانت فكرة طرحها حتى عهد قريب مستبعدة من أجندة الإرادة الدولية الفاعلة في السودان ‫”واشنطن”.

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
د.أمينة العريمي
د.أمينة العريمي
أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

شكوى رباعيه ضد السودان “بلا أقدام” https://mogadishucenter.com/2025/02/شكوى-رباعيه-ضد-السودان-بلا-أقدام/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.