عبدالله إسماعيل يكتب : *برمة ناصر..* حين يشيخ *العقل* وتضيع *البوصلة*!
عبدالله إسماعيل يكتب :
*برمة ناصر..* حين يشيخ *العقل* وتضيع *البوصلة*!
(1) *الأزمة الممتدة.. وطن يدور في حلقة مفرغة*
الأزمة السودانية ليست وليدة اليوم، ولا هي خطيئة جيل واحد. إنها حصيلة تراكم طويل من الأخطاء، حيث ظلت النخب تتوارث الفشل كأنه تقليد مقدّس، يتبدل اللاعبون، وتبقى اللعبة كما هي: تحالفات هشة، انقلابات متكررة، زعامات تُقدَّم على الوطن، وأحزاب بلا مشروع سوى اللهاث خلف السلطة.
منذ الاستقلال، ظل السودان مثل رجل ضائع في الصحراء، يمشي في دوائر، كلما ظن أنه اقترب من الواحة، اكتشف أنه عاد لنقطة البداية. ديمقراطية تُجهض، انقلاب يحكم، ثم ديمقراطية مشوهة أخرى، تليها انتكاسة جديدة. والنتيجة؟ دولة لم تكتمل، ومجتمع يتفتت، ونخب عاجزة عن فهم الدرس، رغم أنه كُتب بالدم، وكررته الأجيال مرارًا.
(2) *برمة ناصر.. حين تغلب الغريزة على العقل*
في لحظات الأزمات الكبرى، ينتظر الناس من القيادات السياسية أن تكون ضوءًا وسط العتمة، أن تقدم حلولًا تضع الوطن أولًا، أن تضع الخلافات جانبًا وتنحاز إلى مصلحة الدولة. لكن فضل الله برمة ناصر اختار مسارًا مختلفًا، مسارًا يقود السودان إلى مزيد من الانهيار.
بدلًا من أن يكون شاهدًا على الحكمة، اختار أن يكون مشاركًا في الخيانة. لم يكتفِ بإلقاء حزب الأمة في أحضان المليشيا التي دمّرت البلاد، بل ذهب أبعد من ذلك، وقاد فصيلًا داخل الحزب لدعم حكومة الأمر الواقع التي تسعى المليشيا إلى إعلانها في كينيا يوم 17 فبراير. بهذا الموقف، تخلى تمامًا عن فكرة الدولة، وانحاز لحسابات قبلية وجهوية ضيقة، متجاهلًا التاريخ الطويل لحزبه، الذي كان يُفترض أن يكون أحد أعمدة الاستقرار السياسي في السودان.
(3) *تحالف مع المليشيا وانقسام داخل “تقدم”*
لم يكن لهذا الموقف أن يمر دون تداعيات، فقد تسبب انحياز *برمة ناصر* للمليشيا في تفتيت القوى المدنية أكثر مما هي عليه، مما أدى إلى انشقاقات عميقة داخل تحالف تقدم، الذي وجد نفسه أمام أزمة داخلية، بعدما بات واضحًا أن بعض مكوناته انجرفت نحو دعم المليشيا، في وقت كان يُفترض أن يكون فيه الموقف واضحًا: لا شراكة مع من يسعون لتمزيق الدولة بإعلان حكومة تمهد للتقسيم.
بهذا، لم يساهم برمة فقط في إضعاف حزبه واحتمال تقسيمه، بل لعب دورًا أساسيًا في زرع بذور الانقسام داخل القوى المدنية، التي كانت أصلًا تعاني من التشرذم والتباين في المواقف.
(4) *حين تصبح السياسة وسيلة لتقويض الدولة*
حين اندلعت الحرب في السودان، كان واضحًا أنها ليست معركة متكافئة، بل مواجهة بين دولة تحاول الحفاظ على وجودها، ومليشيا تحاول ابتلاعها لصالح مشروع مدعوم خارجيًا. في خضم هذه الأجواء، كان المنتظر من القيادات السياسية أن تكون جسورًا للحل، أن تعمل على ترميم ما تبقى من الوطن، أن تكون حائط الصد الأخير ضد مشروع تخريب الدولة.
لكن برمة ناصر قرر أن يكون جزءًا من الجنون ذاته، فقاد كتلة من حزب الأمة إلى مستنقع الولاء الأعمى لمليشيا تخوض حربًا لتصفية السودان، وانحاز إلى مشروع سياسي يعيد إنتاج الأزمة بدلًا من حلها. لم يكن الحزب مجرد كيان سياسي، بل كان واحدًا من الأعمدة القليلة التي استند عليها السودان في بعض لحظاته الصعبة. وكان يمكن أن يكون صوت الحكمة في لحظة انعدمت فيها العقول، لكنه أصبح اليوم مجرد أداة تُستخدم لشرعنة سلطة الأمر الواقع، وفق حسابات ضيقة، لا ترى أبعد من الكرسي والمصلحة الذاتية.
(5)*أين دور السياسيين في هذه اللحظة الفاصلة؟*
السودان اليوم يعيش لحظة حرجة، والانهيار يقترب أكثر فأكثر. في مثل هذه الظروف، يكون للسياسيين والأحزاب السياسية دور محوري، فهل يدركون حجم المسؤولية؟
– أين الإدراك بأن المصلحة الوطنية يجب أن تأتي أولًا، فوق المصالح الحزبية والشخصية؟
– أين الوعي بأن دعم المليشيات ليس خيارًا سياسيًا، بل خيانة للوطن؟
– أين إدراك أن الأحزاب يجب أن تكون صوت الحكمة، لا أدوات صراع تضيف مزيدًا من الفوضى؟
– أين الخطاب السياسي المسؤول الذي يركز على الحلول بدلًا من التحريض؟
– أين العمل على وقف الحرب عبر حلول سياسية واقعية، بدلاً من تغذية الصراع بمواقف انتهازية؟
– أين المشروع الوطني الحقيقي القادر على تجاوز الفشل السياسي والإداري الذي أوصلنا إلى هنا؟
– ثم، ما القبيلة إلا نقطة صغيرة داخل نص كبير اسمه الوطن، فلماذا تُدار السياسة بعقلية الانحياز القبلي والجهوي بدلًا من عقلية الدولة؟
(6) *التاريخ لا يرحم.. إما أن تكون جزءًا من الحل أو جزءًا من الكارثة*
السودان اليوم على حافة انهيار وجودي، دولة تتآكل، ومجتمع يتمزق، وجغرافيا مرشحة للتقسيم. وحين يحدث هذا، لن يُذكر برمة ناصر إلا كجزء من المشكلة، كواحد ممن ساهموا في تعميق الكارثة، بدلاً من البحث عن الحل.
التاريخ لا يرحم، وسيكتب يومًا أن رجلًا كان يمكن أن يكون صوت الحكمة، فاختار أن يكون جزءًا من المؤامرة. كان يمكن أن يكون شريفًا، فاختار أن يكون مجرد تابع في ركب الجهل والخراب.
وحين يسأل الناس: من أوصل السودان إلى هذه اللحظة؟
سيكون اسم فضل الله برمة ناصر حاضرًا، كواحد من الذين خانوا حكمة الكبار، وبددوا الفرصة الأخيرة.
*عبدالله إسماعيل*
15 فبراير 2025