ضل الحراز علي منصور الدكشنري يكتب : *بين العلف والأفيون : قراءة في خطاب مؤتمر نيروبي*
ضل الحراز
علي منصور الدكشنري يكتب :
*بين العلف والأفيون : قراءة في خطاب مؤتمر نيروبي*
في خضم الأزمات التي تعصف بالسودان، يبرز مؤتمر نيروبي كإحدى المحطات التي تثير الجدل أكثر مما تقدم الحلول. فمن خلال الهتافات والشعارات التي رفعتها الحكومة المدعومة إماراتيًا، بدا المشهد وكأنه إعادة إنتاج مشوه لموروث النداءات الثورية التي هزت وجدان السودانيين على مدى السنوات الماضية. لكن الفارق هذه المرة أن الكلمة المحورية لم تعد “ثورة”، بل “دولة” – دولة يراد لها أن تتشكل على مقاس أبناء دقلو، حيث الأمير محمد، والنائب عبد الرحيم، والمال العام يُنهب على مرأى ومسمع، والنساء تُستباح حقوقهن، وفقًا لما وثقته تقارير دولية.
هذا المشهد ليس جديدًا، بل هو امتداد لنموذج حكم لم يعرف إلا القمع والاستبداد، حيث تُغلق الأصوات المعارضة، وتُختلق المبررات لقمع أي صوت خارج عن السرب. فحين يصبح معيار امتلاك الرأي هو امتلاك السلاح، يتضح أن السودان يواجه لحظة فارقة بين أن يكون أو لا يكون.
لقد اختبر السودانيون هذا النموذج طيلة العامين الماضيين، ورأوا كيف يُحوَّل الوطن إلى إقطاعية خاصة، حتى أن بعضهم بات يحنّ إلى طغاة الأمس مقارنة بطغاة اليوم، وكأنهم وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: الظالم القديم الذي كان يترك هامشًا للحياة، أم الظالم الجديد الذي لا يترك مجالًا حتى للتنفس.
المفارقة أن خطاب هذا المؤتمر لم يكن مجرد “علف” سياسي يساق إليه الناس، بل تجاوز ذلك إلى “أفيون” يصوّر الواقع السوداني البائس كأنه جنة زاهية، تمامًا كما تفعل الدعاية الموجهة حين تحاول أن تخلق وهماً بواقع غير موجود. لكن مهما طال التزييف، فالتاريخ علّمنا أن الأفيون مهما كان قويًا، سيأتي يوم ويفقد تأثيره، وعندها سيكون السودان أمام لحظة الحقيقة.
فهل سيستفيق السودان من هذا الوهم قبل فوات الأوان؟