منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خبر و تحليل عمار العركي *إغلاق”الحرة”:و “الشرق” : دروس في السيادة الإعلامية ومعركة الروايات*

0

خبر و تحليل عمار العركي

*إغلاق”الحرة”:و “الشرق” : دروس في السيادة الإعلامية ومعركة الروايات*


(▪️) يمر السُودان بمرحلة حساسة تتطلب إدارة دقيقة لكافة الجوانب السياسية، الاقتصادية، والأمنية، ويبرز الإعلام كأحد أهم الأدوات الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في دعم استقرار البلاد أو، في المقابل، تكون ساحة لتأجيج الأوضاع. فوسط التحديات الراهنة، يصبح التعامل مع الإعلام—سواء المحلي أو الخارجي—مسألة تتطلب موازنة دقيقة بين الانفتاح المطلوب والتنسيق الحتمي وفق الضوابط والإجراءات الحكومية التي تحافظ على سيادة الدولة وتضمن عدم استغلال الإعلام كأداة إختراق وتوجيه أو ضغط و تشويه.
(▪️) *الإعلام في قلب المشهد الوطني والدولي:* الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو لاعب رئيسي في تشكيل الرأي العام، توجيه السياسات، وصياغة التصورات الدولية عن السودان. في ظل الحرب والأزمات، تزداد الحاجة إلى إعلام داخلي وطني وآخر خارجي ومهني ومسؤول قادر على نقل الحقائق، التصدي للشائعات، وتعزيز موقف الدولة أمام المجتمع الدولي. لذلك، فإن تجاهل الإعلام أو التعامل معه بانغلاق قد يترك الساحة مفتوحة لأطراف أخرى تفرض رواياتها الخاصة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على السودان داخليًا وخارجيًا
(▪️) *ازدواجية المعايير في التعامل مع الإعلام* إغلاق قناة الشرق في السودان أثار جدلًا واسعًا، لكنه في جوهره خطوة مشروعة وسيادية تتسق مع القواعد المعمول بها في مختلف دول العالم فى الظروف الطبيعية والعادية ، التي تضع ضوابط صارمة لضمان عدم تحول وسائل الإعلام إلى أدوات لزعزعة الاستقرار الوطني. فحينما قررت الحكومة السودانية – وفى ظروف إستثنائية وغير طبيعية – إغلاق القناة، لم يكن ذلك استهدافًا لحرية الإعلام، بل جاء استجابةً لمقتضيات راهن الأمن القومي ، وحمايةً للدولة من خطابٍ إعلامي يُستخدم بشكلٍ منحاز لخدمة أجندات خارجية على حساب هذا الراهن الأمني القومي الحاكم .
(▪) ومن المهم هنا مقارنة القرار السُوداني بقرارات مشابهة اتخذتها دول أخرى، مثل الولايات المتحدة التي أغلقت “قناة الحرة” لأسباب تتعلق بمقتضيات الأمن القومي، ولم يُنظر إلى ذلك على أنه قمع للحُريات ، بل ممارسة لحق الدولة في تحديد أولوياتها الإعلامية. وكذلك الحال عندما اتخذت دول أوروبية قرارات بإغلاق منصات إعلامية اعتُبرت معادية لمصالحها الوطنية. فلماذا يُواجه قرار السودان بردود فعلٍ متشددة؟،
(▪️) هذه الازدواجية في المعايير تفضح طبيعة “التوصيف والتوظيف السياسي” لملف الحريات الإعلامية، حيث يُستخدم هذا الملف كأداة ضغط على بعض الدول، بينما تُمارس الحكومات الغربية حقها السيادي دون اعتراض أو تشكيك.
(▪️) *قناة الشرق: نموذج لانحراف الإعلام عن دوره المهني* لم يكن قرار إغلاق “قناة الشرق” مبنيًا على موقف سياسي تعسفي، بل جاء بعد تقييمٍ دقيق لمحتوى القناة ودورها في المشهد السوداني. فقد تبنّت القناة خطابًا إعلاميًا منحازًا، يسهم في تأجيج الأزمة السودانية بدلاً من تقديم تغطية متوازنة. ولم تلتزم القناة بمعايير الحياد الصحفي، بل استخدمت منصتها للترويج لروايات تصب في مصلحة طرفٍ معين ، مما جعلها أداةً إعلاميةً ذات طابع تحريضي أكثر من كونها وسيلة لنقل الحقيقة بحيادية.
(▪️) *حق الدولة في تنظيم المشهد الإعلامي* السودان ، كأي دولة ذات سيادة، له كامل الحق في تنظيم الفضاء الإعلامي الداخلي، ووضع ضوابط تكفل عدم تحوّل الإعلام إلى منصة لاستهداف الأمن القومي أو التشكيك في مؤسسات الدولة. وليس في ذلك انتهاكٌ لحرية الصحافة، بل هو ممارسة طبيعية لسلطة الدولة في إدارة شؤونها الإعلامية، تمامًا كما تفعل كل الدول التي تحرص على حماية استقرارها.
(▪️) *الانفتاح الإعلامي ضرورة وليس رفاهية* الدعوة إلى تعزيز التواصل والتنسيق مع الإعلام الخارجي ليست ترفًا، بل “ضرورة وطنية” تفرضها التحديات الراهنة. السودان يحتاج إلى إيصال صوته للعالم، توضيح مواقفه، وشرح تعقيدات المشهد الداخلي بعيدًا عن “الصورة والرواية الأحادية” التي تروجها بعض الجهات المناوئة. غير أن هذا الانفتاح لا يعني بأي حال من الأحوال “التفريط في الضوابط الوطنية وسلامة الامن القومي “، بل يجب أن يتم وفق رؤية واضحة تضمن تحقيق الأهداف الوطنية دون السماح لأي جهة بالمزايدة أو استغلال الإعلام لأجندات خاصة.
(▪️) *ضوابط الإعلام الخارجي: بين الحرية والمسؤولية* الدولة السُودانية، كأي دولة ذات سيادة، لها كامل الحق في تنظيم المشهد الإعلامي الداخلي، وضمان أن أي تفاعل مع الإعلام الخارجي يتم ضمن إطار يحترم القوانين والإجراءات الوطنية. وهذا لا يعني فرض “قيود تعسفية”، بل وضع “آليات واضحة”، تضمن أن الإعلام الخارجي لا يتحول إلى أداة لزعزعة الاستقرار أو ترويج الأجندات التي تتعارض مع المصلحة الوطنية.

(▪️) *خلاصة القول و منتهاه:*
▪️ الإعلام شريك في بناء الدولة لا معول للهدم ، فالمرحلة التي يمر بها السودان تتطلب إعلامًا واعيًا ومسؤولًا، لا يقتصر دوره على نقل الأخبار بل يتجاوز ذلك إلى بناء الجسور مع العالم، وتعزيز الموقف الوطني، وتوضيح الحقائق. وبينما نطالب بالمزيد من الانفتاح والتواصل مع الإعلام الخارجي، فإننا نؤكد أن هذا يجب أن يتم في إطار يحترم الضوابط الوطنية، ولا يسمح بالمزايدة على القرارات السيادية للدولة. فالسودان اليوم يحتاج إلى خطاب إعلامي ذكي، ومتوازن ، وقادر على مواجهة التحديات بحرفية ومسؤولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.