بروفيسور كنعان أبوفاطنة يكتب : *حين تتبدّل المواقف وتتجلى الحقائق*
بروفيسور كنعان أبوفاطنة يكتب :
*حين تتبدّل المواقف وتتجلى الحقائق*
في زمانٍ اشتدّت فيه الأزمات، وتباينت فيه الاصطفافات، وانكشفت فيه المواقف على حقيقتها أصبح من الضروري إمعان النظر في سلوك بعض الشخصيات التي ارتدت عباءة المبدأ يوماً ثم استبدلتها بأثواب المصالح لتظهر في مشهد سياسي جديد لا يخلو من المفارقة والدهشة.
فالثبات على المبادئ والوفاء للقيم الفكرية والتنظيمية ليسا ترفاً أخلاقياً بل هما ميزان الانتماء الحق ودليل النقاء في الموقف، لا سيما حين تشتد المحن وتتمايز الصفوف.
وما يعيشه السودان اليوم يُظهر جليًّا تحولاً دراماتيكياً في المواقف، حيث صعدت إلى الواجهة أسماء كانت لسنوات ضمن رموز المؤتمر الوطني، تلوّنت بالشعارات الإسلامية والتنظيمية، ثم أعادت تموضعها من بوابة الدعم السريع، في تناقض صارخ مع ماضيها السياسي المعلن
ومن هذه الأسماء:
1. حُزيفة عبدالله مصطفى أبونوبة، الذي ترأس اتحاد طلاب جامعة النيلين عام 2006م عبر حركة الطلاب الإسلاميين الوطنيين، وتقلّد منصب الأمين العام للجالية السودانية في ماليزيا بدعم مباشر من نائب الرئيس آنذاك، حسبو محمد عبدالرحمن، وهو خاله، وينتمي لأسرة عريقة في الحركة الإسلامية بجنوب دارفور، حيث كان والده من مؤسسيها. واليوم يعود إلى الساحة من داخل دوائر الدعم السريع، متصدياً لملفات بالغة الحساسية، وكأن شيئاً لم يكن.
2. مصطفى محمد إبراهيم بشارة، الذي بدأ منسقاً للإعلام في منسقية الخدمة الوطنية بجنوب دارفور، وعضواً في جهاز الأمن الشعبي وشورى المؤتمر الوطني، وشغل وظائف تنفيذية وتشريعية خلال عهد الإنقاذ، ليتحول اليوم إلى أحد وجوه الدعم السريع.
3. إسماعيل يحيى عبدالله، الذي تقلد منصب المعتمد في محليتي كاس ونيالا شمال، وترأس المؤتمر الوطني فيهما، وكان عضواً فاعلاً في مؤسساته، ليظهر اليوم كأحد أبرز الفاعلين السياسيين في كيان الدعم السريع.
4. علي الطاهر شارف، الذي تولى منصب المعتمد في محليات كتيلا، الفردوس، والضعين، وشغل رئاسة الحزب في تلك المناطق، وظل عضواً في المؤتمر العام حتى سقوط النظام. ثم أعاد ظهوره في مشهدٍ جديد. دون مراجعة فكرية أو مكاشفة ذاتية
*إن هذه التحولات ليست مجرد إعادة تموضع سياسي بل تكشف عن هشاشة في القناعات وازدواجية في الانتماء وتدل على أن بعض من أداروا دفّة الحكم بالأمس القريب، باتوا اليوم أدوات في مشروع آخر، لا يختلف كثيراً عن سابقه في أدواته ووسائله*.
*ومن اللافت أن هؤلاء، خلال فترة حكمهم، لم يُبدوا أي شجاعة في نقد التجاوزات على عكس ما فعله الشيخ موسى هلال، الذي وإن كان عضوًا بالبرلمان إلا أنه لم يتردد في إبداء رأيه الناقد لنظام الإنقاذ بوضوح ومسؤولية.*
*أما حديث البعض عن العدالة والتهميش، فيفتقر إلى المصداقية حين نعلم أن مرحلة ما بعد 2013م وحتى 2019م شهدت تبوء عدد من أبناء قبيلة الرزيقات مناصب رفيعة في الدولة، فقد عُيّن حسبو محمد عبد الرحمن نائبًا للرئيس وكاشا وأبوالقاسم الأمين بركة وجماع آدم جماع ولاة وعادل دقلو وزيراً وعمه جمعةدقلو عضو في البرلمان وخادم الله (شقيقة حسبو) عضواً في المجلس التشريعي بجنوب دارفور، والهادي سعيد شقيق حسبو معتمداً بنيالا، والضيف عليو وزيراً ولائياً وعبدالله صافي النور مفوضاً وموسى محمد علي مادبو وزير دولة بالداخلية، وهو قائداً للدعم السريع الذي اصبح نافذة لإدخال المذكورين في تلك المواقع و شقيقه عبدالرحيم نائباً له وهي تمثيلات جاءت من فخز قبلي واحد، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول جدوى خطاب العدالة القومية الذي يُروّج له*.
*فأين تمثيل بقية مكوّنات الرزيقات؟ وهل حواء الرزيقية عجزت عن إنجاب كادر متعلم قادر على حمل المسؤولية خارج هذا الفخز الضيق؟ إن تغييب الكفاءات وتكريس الولاءات القبلية والجهوية يمثل خرقاً لمبدأ العدالة الذي ينبغي أن يكون أساساً في بناء الدولة*.
*والأخطر من ذلك هو استغلال هذه الولاءات في تعبئة الشباب – ممن لا علاقة لهم بالتنظيمات – فقط لأنهم ينتمون لقبيلة بعينها، والزجّ بهم في أتون معارك لا يدركون دوافعها بينما يبقى قادتهم في الظل يقتاتون من موائد الصراع.*
*إن التهديد الحقيقي لمستقبل الوطن لا يكمن في استمرار النزاع وحده بل في تمكين أولئك الذين اتخذوا من التحول المصلحي سبيلاً لا يرعون مبدأً ولا يخلصون لقضية فهؤلاء لا يُعوّل عليهم في بناء وطن ولا يؤمّن جانبهم عند المحن، لأنهم أول من يغادر إذا مالت الرياح.*
*ستظل المبادئ هي الحصن المنيع لأي مشروع وطني ولا يمكن أن تنجح أي محاولة لبناء دولة دون صدق في النية وثبات في الموقف. أما المتقلبون، فهم أوراق مهترئة، مهما تلونوا ومهما اعتلوا المنصات، فلن تُكتب لهم الثقة، ولا يُعوَّل عليهم في عبور المرحلة.*