تحليل عميد م/ أبراهيم عقيل مادبو *العطرون تحت المجهر.*
تحليل عميد م/ أبراهيم عقيل مادبو
*العطرون تحت المجهر.*
منطقة العطرون التابعة لمحلية المالحة بولاية شمال دارفور وتبعد عن المالحة بحوالي 340 كلم شمالًا، وعن مدينة الفاشر 520 كلم شمال شرق، وتقع في قلب صحراء شمال دارفور، على مسافة 311 كلم عن مثلث الحدود السودانية الليبية التشادية من الناحية الجنوبية الشرقية، وهي عبارة عن ارض منخفضة يوجد بها مطار قديم يصلح لاستقبال طائرات الشحن التجارية وحتى المسافرين، وهذا الموقع يجعل لها بُعد استراتيجي كونها تُشكل ملتقى وتقاطع طرق لثلاث دول هي مصر وليبيا وتشاد.
سيطرة الجيش على العطرون والمالحة تمثل الإنفتاح وإحكام السيطرة على مناطق استراتيجية أخرى بالصحراء مثل بئر راهب التي تقع غربي الدبة وهذا يعني تأمين الولاية الشمالية من اتجاه محور الصحراء، بما يعزز من موقف قواتنا الميداني ويجعلها أكثر استعداداً لمهام عسكرية جديدة والتقدم نحو منطقة واحة النخيلة وقفل منطقة المثلث الحدودي واعلان السيطرة الكاملة على الصحراء والحدود مع دولة ليبيا، وبذلك يتم قطع كل طرق الإمداد على المليشيا التي كانت تستغل هذه الطرق من وإلى ليبيا عبر عدة بوابات، وتقوم بجلب الإمداد اللوجستي والمرتزقة.
من خلال قراءة وتحليل المعلومات المتداولة عن هجوم الجيش والقوات المشتركة على منطقة العطرون ومن خلال تتبع خارطة بنك أهداف وضربات طيران الجيش، ونتائج العمليات البرية الخاصة، يتضح أن منظومة وأولوية الإستهداف كانت على موعد مع العديد من التطورات النوعية المهمة، التي إما أن تدفع باتجاه وصول المليشيا إلى نقطة “حافة الهاوية” ومن ثم الإنهيار الكامل، أو تجريد المليشيا ومنعها من تحريك وسحب قواتها من كردفان وتجميعها وحشدها بالفاشر، وذلك بقطع خطوط الإمداد وإنسحابابات قواتهم التدريجي غير المنظم وغير المحسوب الذي جاء كأحد إرتدادات التحرك النشط لقواتنا بمحاور كردفان والنيل الأبيض وامدرمان، وفي هذا السياق كانت هناك مجموعة من العمليات النوعية للطيران في كل مناطق تجمعات المليشيا بالصالحة والعلقة وشمال كردفان ودارفور والتي تُعبَّر عن مقاربة تقوم بشكل رئيسي على ما يمكن تسميته بـ *“تسخين الجبهات”*، والتمهيد للعمليات البرية المتزامنة بكل المناطق، مع التركيز على تحييد كتلة العربات المنسحبة من كردفان والمتجهة إلى الفاشر، وإصطياد القادة، وضرب مخازن السلاح والمهابط وتجمعات المليشيا بنيالا، ومليط، وحول الفاشر والجنينة والضعين، ويلاحظ بدء تدشين مرحلة جديدة من العمليات العسكرية في قطاع غرب امدرمان وشمال كردفان ومحاولة الجيش قطع طريق إمداد المليشيا من ليبيا عبر مناطق الصيَّاح وتخوم جبال مدو، وبطبيعة الحال سوف يكون لهذه التطورات انعكاسات مباشرة، سواءً على مسار حرب الكرامة أو على القطاع السياسي وملفات رئيس الوزراء والحكومة الجديدة.
لفهم أعمق لديناميات واتجاهات الصراع في المنطقة خلال المرحلة المقبلة في ضوء التطورات الماثلة، من المهم الوقوف على ما يمكن تسميته بـ “بنك الأهداف” الخاص بالجيش بالنسبة للطيران وللوحدات الأرضية وترقيته وتنشيطه، وضرب وتدمير أي متحركات او امداد يتجه نحو الفاشر على اعتبار أن “المليشيا” والحسابات الخاصة بها نحو الفاشر، تمثل الحلقة الأصعب في هذا الصراع، خصوصاً وأن كافة التحركات التي تتبناها المليشيا تكون مبنية بجانب الوضع العسكري والسياسي على اعتبارات ثأرية وقبلية خاصة بها نحو الحركات المسلحة والمقاومة الشعبية الساندة لها بداخل الفاشر، تؤججها خسائرهم الفادحة بالفاشر والخوي، والتفاهمات بين المليشيا وبين “حكومة التأسيس” او صمود وقمم، ودوافع ومطامع الإمارات، *فهذا الإئتلاف الثلاثي هو الوجه الحقيقي للحرب التي تُشن على السودان*، والذي يفضح ويكشف أهداف المرحلة الأخيرة ونوايا المليشيا من محاولة دخول الفاشر، ومحاولات تصعيد حرب المسيرات في بعض مناطق السودان.
حسم معركة الفاشر يتطلب تخطيط دقيق يضع إعتبار لكل العوامل التي يمكن أن تؤثر على سير العمليات، واستكمال سيطرة الجيش على كل مناطق العطرون والمالحة وجبال مدَّو، والإلتزام والتقيد الصارم بالخطة الموضوعة من الجهات المنفذة مع توفير إحتياطي كافي من القوات ومواد تموين القتال لإكمال حلقة فك حصار الفاشر وتأمينها ولذلك يجب سيطرة قواتنا ومراقبة منطقة الصيَّاح شمال غرب الفاشر وجبال مدو بالقرب من المالحة بحوالي 50 كلم، وتكمن أهمية منطقة الصيَّاح وجبال مدو في تمتعها بالعديد من المزايا كونها قريبة من طريق الزرق – المالحة ومنها الي مليط الفاشر، أو الدبة، أو شمال كردفان وامدرمان، ومنطقة مدو محاطة بسلسلة من الجبال، ولها منافذ قليلة، وهي تشبه مناطق سيطرة الحلو في جنوب كردفان بل أكثر تحصينات وتحتاج إلى جهد مضاعف لنظافتها، وإذا سيطر عليها الجيش سوف يسيطر أكثر علي المالحة وجبال الميدوب ايضاً، وبالتالي تصبح المنطقة حتي الكفرة بالكامل تحت سيطرة قواتنا وبذلك تكون منطقة الإمداد الرئيسية للمليشيا قد أغلقت إلى الأبد.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو