منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

الجيلي محجوب يكتب : *الإمارات ومصر… النفوذ المتقاطع*

0

الجيلي محجوب يكتب :

*الإمارات ومصر… النفوذ المتقاطع*
الجيلي محجوب

في مشهد التحالفات العربية المتشابكة، تبرز العلاقة بين الإمارات ومصر بوصفها نموذجاً لتحالف استراتيجي لا تُعرّفه التصريحات بقدر ما تكشفه الوقائع. فالإمارات، اليوم، لا تحتاج إلى لوبي داخل القاهرة؛ لأن تأثيرها هناك لم يعد هامشياً أو عابراً، بل جزءاً من بنيان النظام نفسه، الذي وُلد من رحم دعم سياسي واقتصادي واضح من أبوظبي، وبموافقة وتنسيق من الرياض والمنامة والكويت.

هذا التحالف لم يكن وليد لحظة عابرة، بل كان امتداداً لرؤية إقليمية هدفها إعادة ضبط إيقاع المنطقة وفق أولويات جديدة، أهمها تحجيم الإسلاميين ومحو بقاياهم من الخريطة السياسية، لا سيما في السودان، الذي تحوّل في المرحلة الأخيرة إلى ساحة صراع مكتوم بين القوى الإقليمية. وفي هذا السياق، تواصل الإمارات إرسال رسائل طمأنة لمصر، تؤكد فيها أن موقعها محفوظ في خريطة المصالح، وأن المسار المشترك يتطلب استئصال ما تبقى من نفوذ الإسلاميين هناك، كخطوة أخيرة لضمان “استقرار” مزعوم.

لكن خلف هذه الرسائل الناعمة، تصحو في القاهرة هواجس متزايدة. فالمخاوف لم تعد مقتصرة على الملفات البعيدة، بل باتت تتصل مباشرة بالحدود الغربية، حيث ليبيا، وحيث تتحرك الإمارات بثقل واضح في مناطق تشكّل عمقاً استراتيجياً حيوياً لمصر. صحيح أن القاهرة وأبوظبي تتشاركان الدعم الواضح للمشير خليفة حفتر، لكن الدعم لا يعني تطابق المصالح دائماً، ولا يُلغي الخلافات المتنامية حول حدود النفوذ ودوائره.

تشعر مصر اليوم بأن هامش تحرّكها بدأ يضيق، لا بسبب خصومها، بل بفعل تضارب الأدوار مع شركائها. ورغم أنها تدرك أن المواجهة المباشرة مع الإمارات ليست واردة في الوقت الراهن، إلا أنها لا تقف مكتوفة الأيدي. فأوراق الضغط متوفرة، وأهمها قدرتها على التأثير في قرارات حفتر، الحليف الذي كثيراً ما تحرّك بناءً على إشارات القاهرة، وليس العكس.

ومن هذا المنطلق، قد تلجأ مصر إلى دفع حفتر خطوة إلى الوراء، أو على الأقل تحييده عن بعض المسارات التي تلامس حساسياتها الأمنية والسياسية. الرسالة المصرية واضحة: نحن شريك، لكننا لسنا تابعاً. وإذا كانت الإمارات تريد أن تُمسك بخيوط اللعبة الليبية منفردة، فعليها أن تفعل ذلك بعيداً عن حدود مصر وخطوطها الحمراء.

في المقابل، من المرجّح أن تبدأ بوادر إعادة التموضع خلال أيام. فمع تصاعد التوتر واحتدام الاستقطاب، تبدو الساحة مهيأة لتحرك مصري سريع – ربما عسكري – لضرب بعض الميليشيات المتحالفة مع الخصوم، وطردها من مناطق قريبة من الحدود الغربية. هذا التحرك، إن حدث، لن يكون فقط رسالة أمنية، بل بياناً سياسياً صامتاً موجّهاً للحلفاء قبل الخصوم: إن أمن مصر القومي لا يُقايض، ولا يُساوم عليه تحت أي ظرف.

مصر تشعر الآن بالقلق، لكنها تعلم أن خوض مواجهة مباشرة مع الإمارات سيؤدي إلى خلخلة توازن إقليمي لا تحتمل القاهرة تبعاته في هذه المرحلة. ومع ذلك، فهي تحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالحها بوسائل ناعمة حيناً، وحاسمة حيناً آخر. ولعل الضغط على أبوظبي لإعادة تقييم وجودها قرب الحدود الليبية – مع تحييد حفتر عن بعض جبهات الصراع – سيكون الخيار الأكثر ترجيحاً في المدى القريب.

في النهاية، المشهد لم يعد مجرد صراع على النفوذ، بل اختبار حقيقي لمعادلات الشراكة وحدودها. وإذا ما استمرت الإمارات في تجاوز ما تعتبره القاهرة خطوطاً حساسة، فقد لا يطول الوقت قبل أن يتحرك الجيش المصري ليُعيد ضبط الإيقاع، بقوة وسرعة، ويدفع بالمليشيات خارج مناطق التأثير المباشر .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.