خبر وتحليل – عمار العركي *قراءة في الموقف المصري من السودان: بين التحليل وسوء الفهم*
خبر وتحليل – عمار العركي
*قراءة في الموقف المصري من السودان: بين التحليل وسوء الفهم*
تنويه للقارئ:
▪️هذا المقال كُتب قبل اندلاع الحرب، ويُعاد نشره في سياقه التحليلي الأصلي. لا يندرج ضمن منطق الاصطفاف أو الدفاع عن أي طرف إقليمي، بل يقدّم قراءة لتفسير سلوك دولة مركزية في الإقليم، بعيداً عن ثنائية «مع أو ضد»، وبمعيار واحد هو التحليل القائم على الوقائع.

▪️تلقيتُ عدداً من التعليقات التي ذهبت إلى تفسير قراءتنا للموقف المصري من السودان على أنها موقف دفاعي، أو انحياز، أو تماهٍ مع القاهرة، انطلاقاً من افتراض مُسبق – ومشكوك في صحته – بأن الموقف المصري سلبي تجاه السودان، وأن أي محاولة لفهمه أو تحليله تُعد بالضرورة تبريراً له.
▪️وهنا يصبح من الضروري توضيح مسألة منهجية، لا جدلية: هذا المقال لا يُدافع عن مصر، ولا يتبنى موقفها، ولا يُبرّره، بل يُحلل سلوك دولة مركزية في الإقليم من زاوية المصالح والضغوط والتموضع، كما كُتب في توقيت سابق على الحرب، وقبل تشكّل الاصطفافات الحادة التي تحكم القراءة اليوم.
▪️فهمُ الموقف المصري، أو تفكيكه، لا يعني تبنّيه، كما أن نقده لا يستلزم بالضرورة الهجوم عليه. الإشكال، في هذا السياق، ليس في مضمون التحليل، بل في طريقة تلقّيه ضمن مناخ مشحون يميل إلى تصنيف كل قراءة ضمن ثنائية «مع أو ضد»، وهي ثنائية تُفسد الفهم ولا تُنتج معرفة.
▪️وبناءً عليه، فإن إعادة نشر هذا النص تأتي في إطار الإحالة إلى سياق تحليلي سابق، لا لإثبات موقف، ولا لنفي اتهام، وإنما للتأكيد على أن التحليل المهني لا يُقاس بميزان الاصطفاف، بل بمدى اتساقه مع الوقائع، وقدرته على تفسير السلوك السياسي بعيداً عن العاطفة والانفعال :
——
سيسي مصر مواجه بمصير البشير، إلا إذا…
عمار العركي
1 سبتمبر 2024م
▪️في خضم التدخل الإماراتي السافر في السودان، بعد إقصاء وإبعاد مصر، نشرنا في يناير 2023م مقالاً تناول العلاقات الإماراتية–المصرية من زاوية النفوذ الإماراتي في المنطقة عموماً، وفي السودان على وجه الخصوص، على حساب النفوذ المصري، تحت عنوان: «السيسي سيواجه ذات مصير البشير… إلا إذا؟».
▪️جاء ذلك المقال عقب إعادة قراءة لإستراتيجية الإمارات وسياساتها في التموضع الإقليمي، مستغلة حينها رافعة كيان «التحالف العربي» كوسيلة لأداء مهام الوكالة الإقليمية، وتحقيق مصالحها التوسعية على حساب استقرار الدول والحكومات في المنطقة.
▪️وخلال مقالين متتاليين، ولتقريب الفهم ووجهة النظر، نُعيد نشر هذا المقال وقراءته في ضوء التطورات اللاحقة، بدءاً بالصفقة الإماراتية–المصرية المثيرة للجدل «مشروع تنمية مدينة رأس الحكمة» على الساحل الشمالي، بقيمة استثمارية بلغت 35 مليار دولار، مقابل دعم إماراتي سافر لإثيوبيا ضد مصر.
▪️وصولاً إلى إعلان إثيوبيا عزمها الحصول على منفذ بحري ولو بالقوة، ثم الإعلان عن اكتمال تشييد وتعبئة وتشغيل سد النهضة، رغم اعتراضات مصر وتحفظات السودان، بالتوازي مع الاتفاق الاستفزازي بين إثيوبيا وإقليم «صومالاند» الانفصالي للحصول على ميناء بربرة، بما يشكّل تهديداً مباشراً لقناة السويس عند باب المندب، وتعيين سفير إثيوبي لإقليم متمرد تابع لدولة عضو في الاتحاد الإفريقي، في تحدٍ صريح للوائح الاتحاد ولسيادة الصومال وأمن ومصالح مصر المائية.
*السيسي سيواجه مصير البشير… إلا إذا؟*
1. نبدأ من الفكرة الأساسية التي أُنشئ من أجلها كيان «التحالف العربي» في العام 2015م، بغرض تحقيق مصلحة خليجية عبر التدخل العسكري في اليمن تحت لواء «عاصفة الحزم»، وبغطاء ائتلاف عربي إقليمي، في إطار خطة إستراتيجية لمعالجة آثار وتداعيات ما عُرف بالربيع العربي.
2. في 25 مارس 2015م، هبّت العاصفة بتنفيذ أول ضربة جوية ضد الحوثيين المتحالفين مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، بعد ثورة الشباب اليمني في 2011م.
3. تقول «السعودمارات» إن العاصفة جاءت استجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، علماً بأن لكلٍ من السعودية والإمارات مصالح خاصة في اليمن؛ فالسعودية دخلت حرباً مع اليمن في العام 1972م واستولت على إقليمي الوديعة وشرورة، بينما ظل طموح الإمارات موجهاً نحو الموانئ اليمنية.
4. بناءً على ذلك، ارتكبت دول غير خليجية أخطاء تاريخية بالمشاركة في حرب ضد دولة عربية تحقيقاً لمصلحة خليجية. وبعد أربع سنوات من حرب فاشلة، انسحبت قطر وماليزيا وباكستان والمغرب، واتخذت الأردن ومصر موقف الحياد، بينما قلّص السودان قواته إثر أزمة مكتومة مع المملكة.
5. استشعرت «السعودمارات» مؤشرات الانهيار، واستحالة الاستمرار دون مصر والسودان؛ فمصر دولة محورية توفر الغطاء السياسي الإقليمي، والسودان يمتلك جيشاً متمرساً ذا خبرة قتالية متراكمة.
6. من هنا بدأت سياسة الاستمالة والإغراء، بالاستثمار في الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلدين، وحاجة السيسي لدعم الاقتصاد، مقابل التنازل عن جزء من هامش التموضع الإقليمي المصري.
7. البشير، وبعد انفصال الجنوب وفقدان النفط، وتحت ضغط العقوبات، اقتنع بأن الحل في الالتحاق بالتحالف، فمضى إلى مقصلته بقدميه.
8. اليوم، دارت الدائرة، وأثبتت الأحداث أن «وحدة المصير المشترك» لم تكن سوى شعار، ومع تضارب المصالح بلغ الخلاف بين السعودية والإمارات مرحلة الانفصال غير المعلن.
9. في هذا السياق، يشيح الخليج بوجهه عن السيسي بعد انقضاء المصلحة المشتركة، وليس أمامه سوى المفاضلة بين إنقاذ حياته السياسية وتموضع بلاده الإقليمي، أو تقديم تنازل جديد لإنقاذ حياته الاقتصادية، وفي الحالتين يظل مصيره قريباً من مصير البشير.
*خلاصة القول ومنتهاه:*
▪️المقال يؤكد أن قراءة الموقف المصري من السودان، والتحليل المتعمق لسلوك القاهرة الإقليمي، لا يعني الانحياز أو الدفاع عنها، بل يعكس التزاماً بالمهنية والموضوعية في فهم الواقع. التحليل المهني لا يُقاس بميزان الاصطفاف، بل بمدى اتساقه مع الوقائع وقدرته على تفسير السياسات بعيداً عن الانفعال، مع التركيز على ما يخدم سيادة السودان ووحدته.
