منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

جيو سياسية إدريس ايات يكتب : *حفتر يُشعل الحدود السودانية الليبية – هل بدأ فصل جديد من الحرب؟*

0

جيو سياسية
إدريس ايات يكتب :

*حفتر يُشعل الحدود السودانية الليبية – هل بدأ فصل جديد من الحرب؟*

▪️- أو الحرب السودانية في مرآة الإقليم: لعبة المحاور وصراع الحدود…

السودان، الذي بدأ يتلمّس طريق التعافي السياسي والعسكري، عاد إلى واجهة التصعيد بفعل تدخلات إقليمية مدفوعة بدعم مباشر من قوى دولية تسعى لفرض معادلاتها عبر وكلاء محليين وأذرع عسكرية تابعة لها. فعلى الرغم من تعيين الجيش في مايو 2025 للمدني السوداني كمال إدريس رئيسًا للوزراء بعد استعادته السيطرة على الخرطوم، إلا أن هذه الخطوة سرعان ما وُجّهتْ بمحاولات مضادة لزعزعة الاستقرار وتقويض ما تحقق: ففي 10 يونيو 2025 أعلنت القيادة العامة للجيش أن «مليشيا آل دقلو (قوات الدعم السريع) مسنودة بقوات حفتر الليبية» قد هاجمت نقاطاً حدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بهدف «الاستيلاء على المنطقة» شمال مدينة الفاشر.

وجاء في بيان الجيش «سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات ومليشياتها بالمنطقة». إذن ما أبعاد هذا الهجوم الراهن من قوات حفتر، وما رهاناته الاستراتيجية الحقيقية؟

▪️أبعاد الهجوم عسكريًا

على المستوى العسكري، يشير الهجوم المفاجئ للقوات المُوالية لحفتر إلى تصعيد الصراع في غرب السودان. فالتقارير الأولية تفيد بأن عناصر من الجيش الوطني الليبي (كتائب تابعة لحفتر) شاركت مع «قوات الدعم السريع» في هجوم منسّق على مواقع سودانية في مثلث الحدود، وهو ما يمثّل أول اتهام مباشر من الجيش السوداني لمليشيات حفتر بالمشاركة الميدانية في الحرب الدائرة منذ عامين.

وأظهر ذلك مشاركة جغرافية جديدة للصراع امتدت إلى العمق الصحراوي للسودان. وكان يوم الجمعة السابق للهجوم (6 يونيو 2025) قد شهد اشتباكات عنيفة على حدود السودان وليبيا، حيث نشبت مواجهات مسلحة قرب معبر العوينات بين «القوات المشتركة» الموالية للجيش السوداني وكتيبة «سبل السلام» التابعة لحفتر. فجنود حفتر توغلوا أكثر من 3 كلم داخل الأراضي السودانية قرب جبل العوينات، ما يؤشر إلى محاولة لصدّ انتشار هذه القوات وضرب شبكات تهريب الأسلحة الخاصة بالدعم السريع.

من جانب آخر، بث مقاتلو الدعم السريع فيديوهات أعلنوا فيها سيطرتهم على مواقع استراتيجية، منها منطقة «جبل كسو» قرب المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، مما يؤكد تناوب السيطرة على الجبال الصحراوية بين طرفي النزاع. وسبق هذا التصعيد عملياً تحركات أخرى متعلقة بالإمدادات العسكرية: ففي نوفمبر 2024 أعلنت «القوة المشتركة للحركات المسلحة» الموالية للجيش في دارفور ضبط كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة والذخائر «مدعومة من الإمارات وموجهة لقوات الدعم السريع»، إلى جانب مركبات قتالية ومعدات استولى عليها الجيش على الحدود مع ليبيا وتشاد.

وهذه الحوادث تلقي ضوءاً على وجود طرق إمداد دولية معقدة: إذ يفترض محللون أن الإمارات تنقل أسلحة عبر مطارها إلى المرتزقة، بينما يقدّم حفتر الدعم اللوجستي للقوات الموالية لـ «حميدتي». يضاف لذلك أن الجيش السوداني حمّل الإمارات مسؤولية طائرات مسيرة استهدفت وحداته في مايو 2025، وهو ما نفته أبوظبي.

إذن عسكرياً، يُبيّن جميع ما سبق أن الصراع في غرب السودان قد تشعّب إلى أبعاد حدودية متعددة، بوجود فاعلين خارجيين (ليبيين ومرتزقة أجانب) إلى جانب الميليشيات السودانية المعادية، ما يزيد من مخاطر تصعيد أوسع وحرية الحركة على الحدود الصحراوية التي تمثل خط تماس جديداً.

▪️البعد السياسي: حفتر كامتداد لإرادة إقليمية في تقويض الشرعية السودانية

في قراءتي الخاصة، يمثّل الهجوم الذي شنّته قوات حفتر على المثلث الحدودي، إلى جانب قوات الدعم السريع، تطورًا سياسيًا بالغ الخطورة. فدخول فاعل عسكري بحجم حفتر على خط المواجهة يتجاوز مجرد تحركٍ ميداني، إلى رسالة سياسية واضحة: أن التحالف الإقليمي الداعم لحميدتي – وفي مقدمته الإمارات – لم يتراجع، بل ينقل المعركة إلى مستوى أعلى من التصعيد الخارجي. ويأتي هذا الهجوم في لحظة حساسة، بعد إعلان الجيش السوداني استعادته للعاصمة وتعيينه رئيس وزراء مدني (كمال إدريس)، ما شكّل محاولة لترميم الشرعية ومخاطبة المجتمع الدولي.

ومن هنا، يُعدّ دعم حفتر لحميدتي بمثابة نكوصٍ عن أي مسار تفاوضي دولي، ورفضٍ معلن لإعادة توحيد السلطة في السودان. فهو يُضفي طابعًا إقليميًا على الانقسام السوداني، ويحوّل الدعم السريع من قوة متمردة داخلية إلى طرف مدعوم بغطاء سياسي–عسكري خارجي، مما يعقّد الجهود الأممية للوساطة ويُفرغ مسار جدة من مضمونه. كما أن هجوم حفتر في هذا التوقيت يُفسّر سياسيًا على أنه رد مباشر على التفاهمات الإقليمية التي بدأت تتشكل حول دعم الجيش السوداني كجهة مسؤولة وشرعية.

فمثلاً قد أعلنت السعودية دعمها الكامل للحكومة الجديدة، وأشارت بوضوح إلى ضرورة الحفاظ على وحدة السودان، في موقف يتعارض تمامًا مع مسار التمكين الذي يحاول حميدتي انتزاعه بقوة السلاح. لذا، يُمكن قراءة تحرك حفتر كرسالة مزدوجة: إلى الرياض من جهة، وإلى القاهرة من جهة أخرى، التي وإن كانت تدعم الجيش السوداني، إلا أنها لا تزال تحتفظ بعلاقات تنسيقية مع حفتر، ما يضعها أمام موقف حرج في ظل تصاعد التصعيد الليبي–السوداني.

لكن الأخطر أن هذا الهجوم قد يُفهم سياسيًا كخطوة استباقية لفرض أمر واقع على الأرض قبل أي تسوية محتملة، بحيث لا يُعاد تشكيل المشهد السوداني دون تمثيل قسري لميليشيا الدعم السريع ومن خلفه داعموه. إنه رسم لخريطة نفوذ بالسلاح قبل أن تُرسم في غرف الدبلوماسية.

وبالتالي، فإن دعم حفتر لحميدتي لا يُمكن فصله عن مشروع سياسي إقليمي أوسع ألا وهو: إفشال الدولة المركزية السودانية، وتحويل السودان إلى ساحة صراع دائم يخدم مصالح موانئ، وشبكات تهريب، وأطراف تسعى للهيمنة من خلف الحدود تمامًا كالحالة الليبية.

▪️أبعاد جيوسياسية واستراتيجية

كما أنّ البعد الجيوسياسي لهجوم حفتر يُجددّ التنافس الحاد على السودان باعتباره مركز ثقل في شرق أفريقيا. فبعدما سعتْ تشاد مؤخرًا لتقارب مع الجيش السوداني بعد سنوات من التوتر، مدفوعة برغبتها في ضبط حدودها الشرقية ومنع تدفق اللاجئين والمسلحين، مقابل تفاهم سياسي مع البرهان، تشهد الساحة، في المقابل، تنافسًا بين محور «الرياض–برهان»، الذي يسعى لتثبيت الاستقرار وحماية مصالحه في البحر الأحمر، ومحور «أبوظبي–حفتر–حميدتي»، الذي يستخدم الدعم العسكري والاقتصادي لتكريس نفوذه، مع تقاطعات مصالح لتركيا، إيران، ومصر، وبالتأكيد دولة قطر أيضًا. فلا ننس أنّ الإمارات وقّعت اتفاقات ضخمة في الموانئ والزراعة السودانية، والوضع الراهن سيقوض مصالحها، وهذا ما يفسر إرسال دعمًا عبر حفتر، حتى وإن تحولت الأزمة في السودان إلى صراع إقليمي مفتوح.

أما استراتيجيًا، فالغرض من الهجوم هو لربط البحرين المتوسط والبحر الأحمر. إذْ، لا يمكن فهم التصعيد الأخير في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر دون استحضار البُعد الملاحي الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.

ففي منظور خليفة حفتر، الذي يسيطر فعليًا على شرق ليبيا الممتد حتى الحدود المصرية، فإن هذا الشريط الصحراوي يشكّل معبراً استراتيجياً بين البحرين، وخط إمداد محتمل لنفوذ يمتد من بنغازي إلى بورتسودان عبر حليفه السوداني، حميدتي.

وغنّيٌ عن البيان أنّ الإمارات تدعم حفتر لأسباب تتجاوز ليبيا، فهي تسعى لإنشاء طوق نفوذ يمتد من موانئ البحر الأبيض المتوسط (مثل طبرق ودرنة) إلى موانئ البحر الأحمر (مثل سواكن وبورتسودان)، مما يمنحها قدرة على التأثير في شريان التجارة العالمي الذي تمر عبره 12% من البضائع العالمية. وهذا الامتداد الجغرافي، لو تحقق، سيضع الإمارات في موقع استراتيجي يوازي إن لم يتفوق على النفوذ التركي والقطري في موانئ مثل مصوع أو سواكن سابقًا.

ختامًا، وترتيبًا على جميع ما سبق، تتراوح سيناريوهات مستقبل الصراع في السودان بين ثلاث مسارات رئيسية: الأول هو مسار التهدئة، ويعتمد على نجاح الوساطة السعودية–الأمريكية لفرض وقف إطلاق نار وانتقال سياسي يشمل دمج الدعم السريع في الجيش أو تشكيل حكومة مدنية توافقية، مع حوافز دولية وضمانات أمنية للطرفين. والثاني هو تصعيد إقليمي واسع، إذا استمر الدعم العسكري لحفتر، وقد يشمل تدخل مصر أو نشوء تهديدات إرهابية جديدة، مما قد يستدعي تدخلاً دوليًا لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

أما الثالث فهو حرب استنزاف طويلة دون حسم، قد تؤدي إلى تقسيم فعلي للسلطة بين الخرطوم ودارفور. في جميع السيناريوهات، يبقى الدور الخارجي حاسمًا، إذ يتطلب السلام وقفًا حقيقيًا للدعم الإقليمي والدولي للأطراف المتصارعة. لأنّ هذا التداخل بين الحدود الصحراوية والممرات البحرية يُبرز كيف تحوّلت الجغرافيا من مجرد ساحة قتال إلى شبكة معقدة من المصالح العابرة للبحار، حيث تتحرك القوى الإقليمية وأذرعها وفق استراتيجيات كبرى، هدفها النهائي ليس فقط كسب الحرب في السودان، بل إعادة رسم الخريطة البحرية – من المتوسط إلى البحر الأحمر – بما يتماشى مع مصالحها الاقتصادية والعسكرية، حتى على حساب الإنسان السوداني.

مقالي الجديد مع سُطُور

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.