منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

امواج ناعمة  د. ياسر محجوب الحسين *عدوي.. مالك كيف تحكم؟*

0

امواج ناعمة

د. ياسر محجوب الحسين

*عدوي.. مالك كيف تحكم؟*

أن يقبل سفير السودان بالقاهرة، الفريق أول عماد عدوي، دعوة وُصفت بأنها “اجتماعية” في شقة صحفية مصرية، في حضور شخصيات مصرية وسودانية ذات خلفيات سياسية وأمنية حساسة، فذلك ليس تفصيلا عابرا يمكن تجاهله أو التعامل معه بوصفه حدثا بروتوكوليا تقليديا. خاصة وأن السودان يمر بمرحلة استثنائية يخوض فيها حربا كرامة مصيرية ضد مليشيا متمردة تهدد وحدة الدولة واستقرارها، وتدور حولها تحركات سياسية وإقليمية كثيفة تسعى إلى إعادة هندسة المشهد الوطني وفق مقاربات تتعارض مع ما يسعى إليه الشارع السوداني وقواته المسلحة.

اللافت في اللقاء ليس فقط الدعوة التي جاءت من شخصية غير رسمية، ولا في طبيعته التي غُلّفت بطابع اجتماعي فضفاض، بل في أسماء المدعوين ومواقعهم. فقد ضم اللقاء شخصيات مصرية على صلة بمؤسسات بحثية وأمنية نافذة، وكذلك شخصيات سودانية بعضها له مواقف معلنة مؤيدة لمليشيا الدعم السريع أو متماهية معها سياسيا، بل من بينهم من هو مطلوب للعدالة السودانية. فكيف يمكن تبرير مشاركة سفير الدولة، وهو عسكري سابق برتبة رفيعة، في مناسبة كهذه؟ وهل كان يجهل طبيعة الحضور؟ وإن كان يعلم، فلماذا لم يمتنع؟ وما الرسالة التي تنبعث من هذه المشاركة، سواء إلى الداخل السوداني أو إلى الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة؟

مثل هذا السلوك لا يمكن فصله عن الظرف السياسي والعسكري الراهن. إذ أن مشاركة السفير، بصورته الرسمية ومكانته الرفيعة، في لقاء غير رسمي بهذه التركيبة، يطرح أسئلة جوهرية عن حدود تمثيله، وعن مدى التزامه بالمواقف المعلنة للدولة السودانية. فإن كان قد تصرف بمبادرة شخصية فذلك يستوجب المساءلة، وإن كان ذلك بضوء أخضر من القيادة، فالأمر يتجاوز الشخص ليصل إلى بنية القرار السياسي نفسه. خاصة وأن الموقف الرسمي المعلن للدولة يقوم على رفض أي تسوية سياسية تُكرّس حضور المليشيا أو تمنحها شرعية جديدة، تحت أي مسمى.

ولا يمكن إغفال أن هذا اللقاء يأتي في وقت حساس جدا، حيث تقترب العمليات العسكرية من مراحلها الحاسمة، وتتزايد الضغوط الدولية من بعض الأطراف الداعية إلى وقف إطلاق النار تمهيدًا لتسوية سياسية شاملة. مثل هذه اللقاءات، حين تتم بتنسيق غير معلن وتحت عناوين غير واضحة، تفتح الباب واسعًا أمام التأويلات، وتثير الشكوك بشأن وجود مسارات موازية تتناقض مع تطلعات الشارع، وربما تُفرغ النصر العسكري من محتواه السياسي.

ومن المفارقات التي لا ينبغي تجاوزها في هذا السياق، أن في الشخصية السودانية – فردا وجماعة – ميلا راسخا إلى المجاملة، وربما الضعف في مجابهة المواقف الملتبسة حتى حين يكون الطرف الآخر واضح المقاصد، بل وربما خبيث النوايا. وهذه السمة، التي قد تُفهم في السياق الاجتماعي بوصفها أدبا، تتحول في السياق السياسي والدبلوماسي إلى مدخل للخذلان أو الاستدراج الناعم إلى مربعات لا تليق بالكرامة الوطنية، ولا بالوعي بما تمثله لحظة الحرب من معاني الانضباط والتماسك والصرامة في المواقف.

من حق السودانيين أن يعرفوا حقيقة ما جرى، وأن ينال هذا التصرف تفسيرا واضحا، لأن صمت الدولة أو تبريرها لهذا السلوك سيُفهم بوصفه تراجعًا عن خط الحزم تجاه المليشيا وداعميها. فالمعركة التي تخوضها البلاد ليست فقط في الميدان، بل في الوعي العام، وفي حسم المواقف الرمزية التي قد تُستخدم لاحقًا لتكريس أمر واقع جديد باسم “الوفاق الوطني” أو “الحوار المجتمعي”.

السفير عدوي لا يُمثل نفسه، بل الدولة السودانية، وحضوره في هكذا مناسبة لا يُقرأ إلا بوصفه مؤشراً سياسياً يتعارض مع اللحظة الوطنية الراهنة. وإذا لم تكن هناك مساءلة واضحة لما حدث، فإن الأمر سيُفسّر على أنه جزء من سياسة مزدوجة لا تُصارح الشعب بما يدور في الكواليس. وهو ما يفتح الباب أمام أزمة ثقة جديدة، نحن في غنى عنها، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وضوح كامل في المواقف والخيارات.

إن الحفاظ على وحدة الموقف الرسمي في الداخل والخارج، لا يقل أهمية عن المعارك الدائرة على الأرض. وأي تهاون في الرموز، أو اختلال في رسائل التمثيل السياسي والدبلوماسي، يمكن أن يُفقد الدولة ما راكمته من شرعية وتأييد داخلي ودولي في مواجهة المليشيا. هذه اللحظة لا تحتمل الغموض، ولا التساهل مع رمزية الحضور في اللقاءات التي تمس صلب الصراع.

في المحصلة، ما حدث لا ينبغي أن يُترك دون تمحيص أو مساءلة، سواء داخل مؤسسات الدولة أو في الفضاء العام. وعلى القيادة أن توضح ما إذا كان هذا الحضور يمثّل الدولة السودانية فعلاً، أم أنه اجتهاد شخصي خاطئ لا يُعبّر عن موقفها الثابت. فالسودانيون الذين يدفعون دماءهم ثمنًا لهذه الحرب، يستحقون إجابة واضحة، لا تليق بهم سياسة الصمت، ولا عبارات المجاملة.
21/06/2025
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب:
‏https://shorturl.at/YcqOh

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.