✍️ د. الشاذلي عبداللطيف *الانتصار الحقيقي يبدأ من الداخل: السودان بين النهوض العسكري والبعث المدني* *وهذه هي ام المعارك.*
✍️ د. الشاذلي عبداللطيف
*الانتصار الحقيقي يبدأ من الداخل: السودان بين النهوض العسكري والبعث المدني*
*وهذه هي ام المعارك.*
في خضم هذه اللحظة السودانية المليئة بالتحديات، لم نعد نكتفي بالبحث عن حلول إدارية أو تبريرات سياسية. لقد تجاوزنا الشكوى إلى مقام التساؤل العميق: من نحن؟ وكيف ننهض من جديد دون أن نعيد أخطاء الماضي؟
حين تحدث رئيس الوزراء بصراحة نادرة عن أسباب الانهيار — الفساد، ضعف الإدارة، غياب العدالة، وانهيار منظومة القيم — لم تكن تلك مجرد عناوين مألوفة، بل اعترافات متأخرة بواقعٍ موجع نعيشه منذ سنوات. لكن الاعتراف، رغم أهميته، لا يكفي. المطلوب هو التغيير العميق.
ورغم الجراح، ثمة لحظة فارقة: الانتصار العسكري الأخير، الذي لم يكن فقط تحريرًا للأرض، بل إعادة تثبيت للمعنى العميق لهذا الوطن. شعر المواطن السوداني – من الجنود إلى المزارعين، من الأمهات إلى المعلمين – أن روح السودان لا تزال تقاوم.
لكن الانتصار العسكري ليس نهاية المطاف. بل هو فرصة، بل مسؤولية، لإعادة بناء الدولة من الداخل. لا بالإسمنت وحده، بل بإعادة بناء الإنسان، واستعادة الثقة، وإصلاح العلاقة بين الدولة والمواطن.
نحن لا نحتاج إلى ترميم نظام متهالك، بل إلى إعادة تأسيس ثقافة وطنية جديدة؛ ثقافة يكون فيها الانتماء غير مرهون بالولاء السياسي أو الجهوي، ويشعر فيها الجميع أنهم شركاء لا غرباء. لا دولة تُقصي، ولا مواطن يتفرّج.
الدولة ليست كيانًا منفصلًا عن الشعب. نحن الدولة حين نصدق، ونعمل، ونحاسب ونُحاسَب. العدالة لا تنبع من قصر الرئاسة، بل من ضمير كل مواطن. الشفافية لا تُفرض من فوق، بل تُمارس من البيت إلى المدرسة إلى السوق.
المعركة الحقيقية ليست مع الخارج، بل مع ذواتنا: مع استسهال الفساد، مع ضعف المسؤولية، مع غياب القدوة. لا يكفي أن نهزم عدونا، بل يجب أن ننتصر على كل ما هزمنا في الداخل.
اليوم، لدينا فرصة نادرة: أن نجعل من الانتصار العسكري بداية لانتصار مدني وأخلاقي. أن يكون مشروع الإعمار شاملًا: يعيد البُنى، لكن أيضًا يعيد القيم. يعيد الثقة بين الناس، ويرمم العلاقة بين المواطن والدولة.
لسنا عابري أزمة. نحن أبناء وطن، كل سقوط فيه يعلّمنا درسًا جديدًا في النهوض.
وهذه هي ام المعارك…
فلننهض معًا.