منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف *رسالة في بريد وزير التربية والتعليم* *نحو رؤية تربوية متجددة* *إدماج الاستشفاء الوطني وتعزيز التعليم الصناعي كرافعتين لفلسفة تعليمية شاملة*

0

✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف

 

*رسالة في بريد وزير التربية والتعليم*

 

*نحو رؤية تربوية متجددة*

*إدماج الاستشفاء الوطني وتعزيز التعليم الصناعي كرافعتين لفلسفة تعليمية شاملة*

السيد وزير التربية والتعليم المحترم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في سياقات ما بعد الصراع، تتجاوز وظيفة التعليم حدودها التقليدية كمنظومة معرفية، لتتحول إلى ممارسة مجتمعية شاملة تهدف إلى إعادة بناء الذات الوطنية، واستعادة المعنى، وإحياء الفضاء الأخلاقي العام في ضوء التجربة الجمعية.
إن التعليم، بوصفه فعلاً إنسانيًا مركبًا، لا يمكن فصله عن البنية النفسية والثقافية للمجتمع. وفي الحالة السودانية الراهنة، التي تعاني من تصدعات عميقة في النسيج الوطني، تصبح الحاجة ملحة لإعادة النظر في المدرسة، لا بوصفها مؤسسة تلقينية فحسب، بل كبنية ثقافية تسهم في احتضان اللحظة التاريخية، وتشكيل وعي جماعي جديد قادر على تجاوز الصدمات وبناء المستقبل.
*أولاً:* التربية من أجل الاستشفاء وإعادة الوعي الجمعي:
تحتاج فلسفة التعليم في هذه المرحلة إلى أن تتأسس على مبدأ الاستشفاء التربوي، أي تحويل المدرسة إلى فضاء حواري نقدي يتعامل مع جراح المجتمع بوعي تشاركي، لا إنكاري ولا وعظي، من خلال:
تضمين المناهج وحدات تحليلية تتناول الحرب والصراع من منظور إنساني واجتماعي، تُظهر كلفة الانقسام وآثار الكراهية، وتُعيد للذاكرة الجمعية دورها في الشفاء والتجاوز.
دمج قيم المصالحة والاعتراف والعدالة والتعدد ضمن أنشطة تعليمية تفاعلية تعزز التفكير النقدي والمشاركة، وتُحرر المدرسة من أساليب التلقين.
تحويل الاستشفاء الوطني إلى إطار بيداغوجي عملي، يُترجم إلى طرائق تدريس تقوم على الحوار، وبناء علاقات مدرسية إنسانية تقوم على الاعتراف المتبادل، لا على الهيمنة أو الإنكار .
*ثانياً:* التعليم الصناعي كرافعة إنتاجية تربوية
في ظل ما يواجهه السودان من تحديات إعادة الإعمار، تبرز الحاجة إلى إعادة تأطير التعليم الصناعي، ليس كمسار تقني ثانوي، بل كفلسفة تربوية وثقافية تُعيد وصل الفكر بالعمل والانتماء بالإنتاج. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
بناء مناهج صناعية متكاملة تربط المهارة اليدوية بالقيم الأخلاقية والاجتماعية، وتُرسّخ العمل كفعل جماعي ومسؤولية وطنية.
توجيه المشاريع التطبيقية نحو معالجة مشكلات مجتمعية ملموسة، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالنزاعات، مما يُكسب التعليم دورًا علاجيًا وتنمويًا في آنٍ واحد.
إعداد المعلمين ليكونوا وسطاء للمعنى والضمير المهني، يتجاوزون نقل المهارات إلى بناء شخصيات طلابية مسؤولة ومنخرطة في واقعها.
إدراج نماذج حيّة لأشخاص تعافوا من آثار الحرب من خلال العمل والإنتاج، بما يشكل ذاكرة مقاومة للانكسار، تُحفّز الخيال الاجتماعي والوطني لدى الطلاب.
*ثالثًا:* المدرسة كفضاء لتأسيس الذات الوطنية
لسنا بحاجة إلى إصلاح تقني محدود، بل إلى تحوّل فلسفي في تصور المدرسة نفسها، بوصفها مؤسسة تعلّم من داخل السياق، وتواجه الجراح بدلاً من الهروب منها، وتُعيد تشكيل الوطن في نفوس طلابها عبر التربية على المعنى والمصالحة والإنتاج.
*نحن بحاجة إلى مدرسة:*
تعترف بالمأساة وتحوّلها إلى وعي.
تُفعّل الذاكرة الجماعية كأداة شفاء لا كحاجز للعيش المشترك.
تُعيد للطالب مكانته بوصفه فاعلاً مشاركًا لا متلقيًا سلبيًا.
تُسهم في تأسيس وطن يتسع لتنوعه، ويتصالح مع ذاته، ويستثمر طاقات شبابه في إعادة البناء المادي والرمزي.
*سعادة الوزير*
إننا نأمل أن يجد هذا المقترح صدى في رؤيتكم التربوية، وأن يُسهم في إطلاق مشروع وطني شامل يُعيد تعريف التعليم بوصفه ممارسة للتحول، لا مجرد نقل للمعرفة، ويؤسس لوطن عادل، متصالح، ومنتج.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير،

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.