منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*السلام في السودان… امريكا و الحكومة و المليشيا و الشعب* بقلم: د. احمد حسن الفادني

0

*السلام في السودان… امريكا و الحكومة و المليشيا و الشعب*

بقلم: د. احمد حسن الفادني

احمد حسن الفادني

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا تصريحات تفيد بضرورة “إفشاء السلام في السودان”، ودعت إلى “حل سياسي شامل لا يستثني أحدا” !!!، في إشارة واضحة إلى ضرورة إشراك مليشيا الدعم السريع المتمردة في التسوية السياسية القادمة، هذه التصريحات وإن جاءت في إطار دولي تقليدي يسعى لإنهاء الصراعات عبر الحوار، إلا أنها تعكس توازنات قوى، وضغوطا دولية، ومصالح استراتيجية تتجاوز الشعارات المعلنة.
في هذا المقال، سنقدم تحليلا موضوعيا عبر تساؤلات تفرض نفسها على الساحة السودانية بعد هذه التصريحات، في ظل واقع سياسي وأمني واجتماعي متفجر.

التساؤل الأول : هل الحكومة السودانية تحت الضغط السياسي ستوافق على المصالحة مع مليشيا الدعم السريع؟
الإجابة لا يمكن أن تكون قطعية، لكنها تميل إلى الرفض المشروط على
الحكومة السودانية، ممثلة في مجلس السيادة و قيادات القوات المسلحة السوداني والتي تخوض حربا وجودية لا تهادنية مع مليشيا الدعم السريع ، التي تصنف رسميا كقوة متمردة ومنفذة لانتهاكات واسعة موثقة بحق المدنيين في السودان ،ومع ذلك فإن ضغوطا دولية هائلة، تأتي من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، تمارس لدفع حكومة السودان إلى “حل سياسي تفاوضي”.
غير أن الجيش يتمسك بعدة ثوابت تمنعه من القبول الكامل بالمصالحة، منها:
– فقدان مليشيا الدعم السريع للشرعية الشعبية والقانونية بعد الجرائم الموثقة.
– خطر إعادة دمج المليشيا في المؤسسات الأمنية دون إصلاح وعدالة انتقالية.
– الضغوط الداخلية الشعبية و من قاعدة الجيش من ضباط وضباط صف وجنود الرافضين لأي تفاوض مع المليشيا.
لكن، وتحت ضغط الملف الإنساني والمساعدات الدولية، قد تتجه الحكومة نحو حوار غير مباشر عبر وساطات، مع ربط أي مصالحة بشروط صارمة تشمل المحاسبة والدمج والتفكيك.

التساؤل الثاني :هل الدعم السريع وحاضنته السياسية سيشاركون في الحكومة الانتقالية القادمة؟
التصريحات الأمريكية توحي بذلك، لكن على الأرض فإن المشهد أكثر تعقيدا ورفضا،فالدعم السريع فقد كثيرا من تماسكه السياسي والعسكري، كما أن حاضنته السياسية – المتمثلة في مجموعة من القوى المدنية التي كانت شريكة في الاتفاق الإطاري – تواجه أزمة شرعية حادة نتيجة ابتعادها عن وجدان الشارع السوداني، وصمتها حيال الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها المليشيا،ومع ذلك قد يفرض شكل من “التمثيل السياسي الرمزي” في أي تسوية دولية ك:
– جزء من آلية وقف الحرب.
– أو مشاركة تقنية غير تنفيذية ضمن هياكل الحكم الانتقالي.
– لكن من غير المرجح أن يحصل الدعم السريع على تمثيل فعلي في المؤسسات السيادية أو الأمنية، إلا في حال حدوث صفقة دولية كبرى تشمل ضمانات متبادلة وغطاء إقليمي وتعويضات مباشرة و و وعود لاصلاح الاقتصاد السوداني.

التساؤل الثالث: هل الشعب السوداني الذي ضاق ويلات الحرب سيوافق على تلك المصالحة؟
فالإجابة الأكثر ترجيحا( لا) وذلك لان الشارع السوداني برمته، عاش فظائع الحرب من مجازر، واغتصابات، ونهب، وتشريد، على يد مليشيا الدعم السريع المتمردة،وبالتالي فإن أي محاولة لإعادة دمج هذه القوة دون مساءلة ومحاسبة حقيقية، ستقابل برفض شعبي واسع، خاصة من:
– أسر الضحايا والمفقودين.
– المجتمعات التي تعرضت للتطهير العرقي والتهجير.
– القوى المدنية الجديدة المتشكلة داخل لجان المقاومة والكيانات المهنية.
حتى لو حاولت أطراف دولية فرض تسوية سياسية من فوق، فإنها ستبقى هشة ومرفوضة جماهيريا، ما لم تسبقها عملية عدالة انتقالية شاملة تضمن الحقيقة والمحاسبة والإنصاف.

التساؤل الرابع ما هي المردودات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتلك المصالحة؟
1. سياسيا:
– على المدى القصير: تهدئة مؤقتة، تخفيف الضغط الخارجي، تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي.
– على المدى المتوسط والبعيد: شرخ داخلي عميق في التحالف الحاكم، وتآكل الثقة بين الحكومة والشعب، خاصة إذا لم تكن المصالحة مشروطة بالعدالة.
2. أمنيا: خطر أمنية كبير عبر إبقاء مليشيات مسلحة موازية للمؤسسة النظامية يشعل إحتمالات واقعية مثل :
– انتشار الجريمة المنظمة والسلاح خارج السيطرة في المدن المحررة.
– اندلاع صراعات داخلية بين المليشيات المتحالفة حاليًا.

3. اقتصاديا: قد تؤدي التهدئة إلى استئناف المساعدات الدولية، لكن غياب الاستقرار الحقيقي سيبقي عند عزوف المستثمرين، وهروب رؤوس الأموال، وضعف الإنتاج المحلي، ولذلك قد تنشأ شبكات ابتزاز اقتصادي من بقايا المليشيا، ما يعطل الاقتصاد ويعيد إنتاج الحرب بأدوات أخرى.

4. اجتماعيا: بروز وتصاعد نظرية الاستقطاب الاجتماعي بين رافضي المصالحة وداعمي التسوية، مع استمرار فقدان الثقة في العدالة والمؤسسات الوطنية، وتأجيج الأزمات الإنسانية في مناطق الحرب إذا لم ترافق المصالحة إجراءات تعويض و إعادة إعمار وعودة طوعية للنازحين تكون بلا فائدة حقيقة وتكون عبارة عن استهلاك سياسي فقط.
ومن هنا يمكن أن نختم المثال وفقا التساؤلات التي ذكرت بإن الحديث عن السلام في السودان يجب أن يكون واقعيا وأخلاقيا في آن واحد. لا يمكن لسلام يفرض من الخارج، ويتجاوز ذاكرة الألم والدم، أن يصمد.
المصالحة الحقيقية لا تقوم على مبدأ الإفلات من العقاب، بل على مرتكزات العدالة، الاعتراف، الإصلاح، والمساءلة.
تصريحات الولايات المتحدة، رغم حسن النوايا المعلنة، قد تنتهي إلى تسوية سياسية هشة تفضي الى اتفاقيات هشه تؤدي الى ضياع الدولة السودانية، فلابد من وضع الشعب السوداني في مركز العملية السياسية، ويتم التفكيك البنيوي للمليشيا، وإعادة بناء السودان على أسس جديدة من السيادة والمواطنة والسلام العادل.

(فلا سلام بدون ارضاء شعبي كامل )

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.