فيما أرى / عادل الباز *دايتون السودان : خارطة الطريق إلى سلام مفروض؟ (1/2)*
فيما أرى /
عادل الباز
*دايتون السودان : خارطة الطريق إلى سلام مفروض؟ (1/2)*
1
هل تابعتم كيف تعثّرت طبخة الرباعية النيئة منذ بدايتها؟ الرباعية الآن أصبحت سداسية بعد إضافة قطر وبريطانيا، أول أمس، بضغط من السعودية.
عن ماذا نتحدث؟ آه، لقد نسيت أننا لسنا في كامل وعينا وعافيتنا السياسية، ولا نزال في غيبوبة، وكواريك تشكيل الحكومة تمامًا “كديوك المسلمة”… تعوعي وبصلتها بحمرة فيها!!
ما القصة؟
هناك تُجرى خلف الكواليس تحرّكات وترتيبات، وتُوضع سيناريوهات، وهنا القوم ساهون وغائبون عن فضاء المعركة: لا تحركات سياسية، ولا حملة دبلوماسية، ولا جهة ترفع وعي المواطنين والرأي العام وتبصّرهم بالسيناريوهات التي تُطبخ!!
هل تعرفون كم وفد زار السودان خلال أسبوعين فقط وبطريقة سرية؟ كم مندوب وصل إلى بورتسودان في جنح الدجى وغادر على عجل؟في بورتسودان تُدار اليوم معركة حاسمة ، لا بالسلاح، بل بالسيناريوهات المعدّة في واشنطن.
أيها النائمون على مخدات السهو العميق… سلام.
إليكم ماحدث والمتوقع :
2
في 3 يونيو، التقى ممثلو مصر والسعودية والإمارات مع نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو، والمستشار الأول للشؤون الإفريقية مسعد بولص. دشّنت تلك الخطوة مبادرة جديدة لإدارة ترامب لإنهاء النزاع في السودان.
منح هذا الاجتماع “للرباعية” زخمًا كبيرًا، تبعته لاحقًا زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أبوظبي للقاء الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، لمواصلة التنسيق.
من هنا بدات ساقية الرباعية تدور.
3
بالأمس، 20 يوليو 2025، أكّد مسعد بولص، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص بالشؤون الإفريقية في “قناة الجزيرة”، أنه “لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع، بل يجب التوصّل إلى حل سلمي”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة، بدعم من الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، تضطلع بدور مهم بالتعاون مع الأشقاء والشركاء في اللجنة الرباعية الخاصة بالسودان، والتي تضم السعودية والإمارات ومصر إلى جانب الولايات المتحدة.
وأضاف بولص في تصريحه لـ”قناة الجزيرة” أن واشنطن تتوقّع “تطوّرات إيجابية في هذا المسار قريبًا”، مشيدًا بالمبادرات التي تقودها المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها منبر جدة، إلى جانب مبادرات أخرى وصفها بالمقدّرة، مؤكدًا أن بلاده تتعاون معها بشكل كامل.
4
هذه هي تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين يقودون مسيرة سلام بالإكراه في السودان!! أو لفرض السلام بالضغوط!!
ما هي خارطة الطريق التي يتبعونها؟
هي خارطة تمّت طبختها في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. المعهد يُنتج بحوثًا استراتيجية تهم صُنّاع القرار الأميركي والإقليمي، وهو المعهد الذي تأسس عام 1985 على يد مجموعة من الأميركيين، بينهم باربي وينبرغ (Barbi Weinberg)، ومارتن إنديك (Martin Indyk)، ولحقت بهم كونداليزا رايس، بدعم من جمعية الضغط الأميركية–الإسرائيلية AIPAC!!
وبالمناسبة، أسّست دولة الإمارات في واشنطن معهدًا آخر لعبد الباري والنور حمد، بذات أهداف ورؤى المعهد إيّاه!!
أصدر هذا معهد سياسات الشرق الأدنى في 2 يوليو 2025 تقريرًا بعنوان:
“لحل الصراع في السودان، اجمع بين مساري جدة والرباعية: أمريكا، السعودية، مصر، الإمارات”.
لاحظ أن اجتماع الرباعية كان يُفترض أن يُعقد في 20 يوليو الجاري، وجرى تأجيله أمس إلى 29 يوليو 2025 بواشنطن.
يعضد تقرير المعهد دور الرباعية ويدعم تدخلها في الشأن السوداني… لماذا؟
بحسب التقرير، فإن الدول الأربع التي تشترك في الرباعية (مصر، السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة) لها مصلحة عاجلة لمواجهة التداعيات الأمنية الإقليمية الناتجة عن استمرار النزاع، والتي تشمل موجات نزوح جماعي، وتهريب الأسلحة، وتصاعد النشاط الإرهابي، وانتقال العنف إلى مناطق الساحل والبحيرات العظمى، وعودة عناصر النظام السابق والإسلاميين المؤدلجين إلى الواجهة!!
وفي ناحية أخرى، يقول التقرير إن الرباعية تتشارك كذلك قلق واشنطن من استغلال روسيا وإيران الفراغ الناتج عن الانهيار المؤسسي في السودان لتعزيز وجودهما الأمني والاقتصادي، سواء عبر وكلاء محليين أو اتفاقيات مباشرة.
إذن، هذه هي الأسباب التي تدعو الرباعية للتدخل في الشأن السوداني، بحسب تقرير معهد واشنطن اليهودي!!
هذا التوافق بين الدول الأربع يشكّل قاعدة دبلوماسية صلبة لتحرّك مشترك.او كما قال التقرير.
5
إذا كانت الأسباب أعلاه التي بسطها التقرير مبرّرات لتدخل الرباعية في السودان، فكيف الطريق إلى الحل؟
يقترح التقرير دمج المسارين: جدة + الرباعية، فيقول إن منصة جدة انطلقت في مايو 2023، مفاوضات غير مباشرة تُركّز على القضايا الإنسانية. ورغم افتقارها لآليات تنفيذ ملزمة، إلا أنها لا تزال تحظى بشرعية وقبول من الجيش السوداني.
ويؤكد أن مبادرة جنيف التي أطلقها المبعوث الأميركي توم بورييلو في أواخر 2024، فقد فشلت، بسبب رفض الجيش السوداني المشاركة، خاصة بسبب مشاركة الإمارات فيها.
ويضيف أن جنيف تعاني من البُعد الجغرافي والسياسي عن الفرقاء، فإن جدة قريبة جغرافيًا ونفسيًا، والرباعية تملك النفوذ السياسي اللازم لفرض الالتزامات.
لذا، يرى التقرير أن دمج المسارين يُنتج صيغة هجينة تجمع الشرعية المحلية بالضغط الدولي.
وبناء عليه، وضع التقرير أربع توصيات أمام الرباعية، وهي ذاتها التي تحملها الوفود اليوم إلى بورتسودان لمحاولة إقناع القيادة بها، ويسوّق لها المبعوث الأميركي مسعد بولص، وتتلخّص في أربع نقاط هي:
إعلان سياسي مشترك: تصدر الرباعية والاتحاد الإفريقي والإيجاد إعلانًا رسميًا يعتبر منصة جدة المظلة الوحيدة لحل النزاع.
بنية إدارية موحّدة: إنشاء أمانة تنفيذية في جدة تشمل الرباعية، الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، وممثلين عن المجتمع المدني السوداني.
شرعية قانونية ملزمة: تحويل إعلان جدة إلى اتفاق سياسي ملزم عبر قرار من مجلس الأمن، وإشراك المبعوث الأممي رمطان لعمامرة في التنسيق والتخطيط.
دمج المجتمع المدني: إشراك حقيقي لممثلي القبائل والأقليات والمنظمات، لمنع عسكرة العملية السياسية أو اختطافها من قبل وكلاء خارجيين.
6
انتهت التوصيات… وهي تشي بملامح التسوية التي يسعون لفرضها، كما حدث في اتفاقية دايتون (1994)، التي فرضت فيها أمريكا تسوية البوسنة عبر معادلة القوة العسكرية + الإكراه الدبلوماسي + احتكار العملية التفاوضية.
وقد أصبح اتفاق دايتون نموذجًا يُدرّس في كيفية فرض السلام بالقوة والضغوط، وليس عبر الوساطات التقليدية.
هل نحن الآن أمام دايتون سودانية؟ أم أن طبخة الرباعية ستفشل كما فشلت منصات من قبلها؟
يحاولون الآن فرض نموذج دايتون (معدّل)، وتُعدّ سيناريوهات متنوعة قريبة من سيناريو دايتون، كما سنرى في الحلقة القادمة.!!
ملحوظة:
هل ذكرتكم هذه التوصيات والورقة أعلاه اليوم بتلك الورقة التي أعدها معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP – United States Institute of Peace) بعنوان:
Pathway to National Dialogue in Sudan (الطريق لحوار وطني في السودان)؟
ونُشرت كموجز سلام (Peace Brief) في 13 أغسطس 2013.
كتبها Princeton N. Lyman وJon Temin، ودعت إلى حوار وطني شامل بقيادة سودانية.
نفس الملامح والشبه… قادت تلك الورقة وما تضمنته من أفكار في النهاية إلى تقسيم السودان، والغريب أنها صادرة من نفس المكان: واشنطن… وتدخل دبلوماسي وسياسي أميركي كثيف فرض في النهاية اتفاقية السلام الشامل.نواصل