خبر وتحليل – عمار العركي *في أولى لقاءاته الخارجية بعد تعيينه:* *وزير العدل يوجه انتقادات حادة للأمم المتحدة ويدعو لتصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية*
خبر وتحليل – عمار العركي
*في أولى لقاءاته الخارجية بعد تعيينه:*
*وزير العدل يوجه انتقادات حادة للأمم المتحدة ويدعو لتصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية*
_______________________
* لم يكن لقاء وزير العدل ، د. “عبد الله درف”، مع الخبير الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، “رضوان نويصر” ، مجرد اجتماع روتيني يدخل ضمن جدول العلاقات الدبلوماسية المعتادة، بل جاء كمرافعة سياسية وقانونية محكمة، حملت في طياتها نقداً صريحاً واتهامات مباشرة، ووضعت المجتمع الدولي، وتحديداً الأمم المتحدة، أمام جملة من التحديات الأخلاقية والمهنية والقانونية.
*العدالة لا تعني التوازن بين الجلاد والضحية*
* الوزير درف، الذي يشغل أيضاً رئاسة الآلية الوطنية لحقوق الإنسان، لم يخفِ امتعاضه من الطريقة التي تُدار بها بعض الملفات الحقوقية والإنسانية في السودان من قبل وكالات الأمم المتحدة. فجاءت مداخلته حاسمة حين رفض بشكل قاطع المساواة بين القوات المسلحة السودانية، كمؤسسة وطنية دستورية، وبين مليشيا الدعم السريع المتمردة، التي قال إنها ارتكبت جرائم حرب وجرائم إبادة، موثقَة في تقارير صادرة عن مجلس الأمن وبيانات من الخارجية الأميركية ومنظمات غير حكومية.
* دعوته الصريحة لتصنيف الدعم السريع كـ”جماعة إرهابية”، لم تكن مجرد مطلب سياسي، بل تأسست على أرضية قانونية تستند إلى مواثيق دولية، وإلى تقارير أممية رسمية تؤكد هذه الانتهاكات. وهنا، يضع الوزير المجتمع الدولي في مواجهة سؤال واضح: هل سيواصل التردد والغموض في توصيف الكارثة التي ارتكبتها المليشيا، أم أنه سيملك الجرأة لتسمية الأشياء بأسمائها؟
*ما قُدِّم لا يليق بمستوى المأساة*
* الشق الإنساني لم يكن أقل حدة. الوزير درف فضح – بلهجة تقريرية لا تفتقر إلى الدقة – ما وصفه بالقصور “المعيب” في أداء الأمم المتحدة ووكالاتها، موضحاً أن نسبة الاستجابة الإنسانية من تلك الجهات لم تتجاوز 16% من حجم الاحتياج الفعلي، بينما تحملت الحكومة السودانية ومعها بعض الدول الصديقة، وبتكافل شعبي لافت، ما يقرب من 85% من الأعباء.
* في لغة الأرقام، لا مجال للمجاملات. فالدولة التي تتعرض لعدوان ممنهج وتدمير للبنية التحتية لا يمكن أن يُعامل شعبها كجمهور طارئ في مسرح حقوق الإنسان. وهنا تحديداً تكمن المفارقة التي ألمح إليها درف، عندما قال إن المطلوب من الأمم المتحدة ليس إحساناً، بل واجباً تجاه دولة عضو في المنظمة الدولية.
*اتهامات معلّقة… وحقائق مغيّبة*
* في رده على الانتقادات التي ساقها الخبير الأممي بشأن مزاعم بوجود “أحكام قاسية” أو محاكمات غير عادلة، بدا الوزير هادئاً في نبرته، صارماً في منطقه. إذ أوضح أن السودان يطبق قوانينه وفقاً لدستوره والمواثيق الدولية المصادق عليها، وأن أي إجراءات تتم وفقاً للشكاوى الرسمية، ويتمتع فيها المتهم بكل ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك العون القانوني.
* غير أن اللافت هنا هو طلب الوزير من الخبير تقديم معلومات تفصيلية حول الحالات المدعاة، مؤكداً أن الحديث العام والمجرد لا يبني قضية، ولا يصنع عدالة. وكأن الوزير يرسل برسالة مفادها: نحن لا نخشى التحقيق، ولكن نطالب بالدقة، لأن “الحديث المرسل” لا يخدم أحداً، وربما يضلّل الجميع.
*منع الطلاب واعتداءات اللاجئين… ملف آخر على الطاولة*
* لم يكتفِ وزير العدل بالتنبيه إلى القصور الأممي داخل السودان، بل وسّع الإطار إلى الانتهاكات التي طالت السودانيين في الخارج، وخاصة اللاجئين. فدعا إلى إدانة صريحة لمنع طلاب سودانيين من الجلوس للامتحانات في تشاد، والاعتداءات التي طالت لاجئين في إثيوبيا ويوغندا. وفي هذه الجزئية، يتقدم الوزير خطوة إضافية في تحميل المسؤولية للدول والمنظمات، دون التورط في حسابات دبلوماسية خانقة أو خطاب دبلوماسي ناعم.
*خلاصة القول ومنتهاه*
* لقاء وزير العدل بالخبير الأممي تحوّل إلى منصة لمساءلة المجتمع الدولي، وفضح التناقض بين شعارات حقوق الإنسان وممارساتها. السودان، كما عبّر عنه درف، لا يطلب امتيازاً، بل عدالة. لا يطلب تغاضياً، بل توصيفاً صادقاً لحقيقة ما يحدث على أرضه.
* إنها لحظة فارقة، تضع الأمم المتحدة أمام امتحان أخلاقي وسياسي، فإما أن تنحاز للضحايا فعلاً، لا خطاباً، أو تواصل التردد الذي يُطيل عمر المأساة ويمنح الجلاد فرصة أخرى للتمدد.
* السودان لا يفاوض على سيادته، ولا يساوم على مؤسساته، لكنه يمد يده – كما قال درف – للتعاون الجاد مع كل آلية أممية تحترم الحقيقة، وتؤمن أن العدالة لا تُصنع بـ”تقارير توازنات”، بل بمواقف تنحاز للضحايا، وتُسمّي القاتل باسمه.