خبر و تحليل – عمار العركي *ذئاب الصحراء الكولومبية تنهش جسد الوطن* …
خبر و تحليل – عمار العركي
*ذئاب الصحراء الكولومبية تنهش جسد الوطن* …
▪️في تحقيق استقصائي لصحيفة La Silla Vacía الكولومبية، كُشف النقاب عن واحدة من أكثر حلقات الحرب في السودان غرابةً وسوادًا، حين تحوّل مدرج مطار نيالا إلى ساحة هبوط لجنود مأجورين من كولومبيا، جاؤوا من أدغال أمريكا الجنوبية، لا يعرفون شيئًا عن دارفور، ولا ناقة لهم ولا جمل في صراع السودان، سوى “الراتب”.
▪️التحقيق أكد – بالصورة والصوت – وجود ما لا يقل عن 300 مرتزق كولومبي جرى تجنيدهم ضمن شبكة إماراتية تديرها شركات أمن خاصة، ثم نقلهم إلى السودان عبر ميناء بوصاصو في الصومال، للعمل ضمن معسكرات الدعم السريع، وبمهام تبدأ من حماية مطار نيالا، ولا تنتهي عند تدريب الأطفال على السلاح ، يقول أحدهم – ويدعى “سيزار” – إن مهمته كانت حماية مدرج نيالا: “إذا خسروا المدرج.. خسروا كل شيء”.
▪️هذا التصريح وحده يلخّص القيمة الاستراتيجية لمطار نيالا بالنسبة لميليشيا الدعم السريع، ولراعيها الإقليمي، الذي لم يكتفِ بدعم سياسي أو مالي أو إعلامي، بل استعان بجنود مرتزقة من أقصى الأرض، بمهارات عسكرية محترفة، ودفعهم إلى صحراء ملتهبة ليكونوا حُماة مشروعه في السودان.
*حرب الوكالة تتعرّى بلا رتوش*
▪️تكشف هذه القصة الوجه الأكثر صراحة لحرب الوكالة التي تخوضها الإمارات على أرض السودان، بعد أن خرج الدعم السريع من كونه ميليشيا محلية إلى كيان دولي تحوّل إلى نقطة تقاطع للمرتزقة، والذهب، والطائرات المسيّرة.
▪️التجنيد عبر شركات خاصة، مرورًا بالتمويه على المرتزقة بأنهم ذاهبون للعمل في الخليج، ثم زجّهم في حرب أهلية أفريقية، يضع أسئلة كبرى أمام المنظومة الدولية: أين القانون الدولي من هذه الممارسات؟ من يتحمل مسؤولية تدريب الأطفال على القتال؟ وأين صوت الجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، من استباحة السيادة السودانية بجنود مأجورين؟
▪️المطار ليس منشأة مدنية بل أصبح قاعدة عسكرية دولية تديرها الميليشيا المدعومة أجنبيًا، ما يبرر استهدافه من قبل القوات المسلحة السودانية كأولوية قصوى.
▪️إغلاق بوابات الدعم اللوجستي للإمارات (مثل ميناء بوصاصو) بات واجبًا سياسيًا ودبلوماسيًا عاجلًا، يبدأ بفضح الدور الإماراتي أمام المجتمع الدولي.
▪️الرأي العام العربي والسوداني يحتاج لمكاشفة صريحة: نحن لا نواجه ميليشيا فقط، بل منظومة مرتزقة عالمية، يتم التحكم بها من أبوظبي، وتُدار في رمال دارفور.
▪️الصمت الدولي والاقليمي تجاه تجنيد الأطفال وتصدير المرتزقة سيُشرعن هذا النموذج ويتمدد ولن يكن السلم والأمن الإفريقي الهش بمعزل وفي مأمن ، خاصة منطقة القرن الافريقي .
*الوقت لا يسمح بترف الشكوى… بل بضرورة التحرك*
▪️إن الوثائق التي أفرزها التحقيق الكولومبي تشكّل لحظة نادرة في الحرب، إذ لم تعد الأدلة سودانية المصدر أو محصورة في التقديرات، بل موثقة من جهة مستقلة، وبأدوات استقصاء احترافية دولية.
▪️إنّ الاكتفاء بالمخاطبات التقليدية لمؤسسات دولية لم تُحرّك ساكنًا رغم شهور من الأدلة، هو ضرب من العبث السياسي. هذه اللحظة تستوجب تغيير الأدوات والوسائل، نحو تحرك أكثر ضغطًا، وذكاءً، ونديةً.
*المطلوب :أدوات غير تقليدية لتحرك سوداني فاعل:*
▪️تشكيل لجنة قانونية وطنية–دولية لرفع دعاوى في محاكم دولية ضد الشركات المورّطة في تجنيد المرتزقة، وربطها بالقانون الدولي الإنساني، بما فيها المادة 47 من اتفاقيات جنيف.
▪️تحريك حملة ضغط إعلامي منسقة، تبدأ من داخل السودان وتصل للصحف الدولية المؤثرة (مثل الغارديان، لوموند، نيويورك تايمز)، وتُسخّر فيها الجاليات السودانية، والصحفيين الدوليين المتضامنين.
▪️الدعوة لمؤتمر صحفي دولي تعقده وزارة الخارجية السودانية، يُخصص لعرض التحقيق، بلغة قانونية وإعلامية موحدة، موجهة للرأي العام الدولي.
▪️طرق أبواب الدول الإفريقية الفاعلة (نيجيريا، كينيا، جنوب إفريقيا) لتشكيل موقف جماعي داخل الاتحاد الإفريقي، يُطالب بإدانة صريحة لما جرى، ودعوة الإمارات لتفسير أفعالها.
▪️الاستفادة من المسارات غير الحكومية (Track II diplomacy) مثل التنسيق مع منظمات المجتمع المدني الدولية، وأسر الضحايا، والنقابات العالمية لتدويل القضية إنسانيًا وأخلاقيًا.
*في النهاية …*
▪️فإن تحقيق صحيفة كولومبية ليس مجرد سبق صحفي، بل وثيقة اتهام مدوّية في حق دولة عربية اختارت أن تُموّل وتشرف على حرب في قلب إفريقيا، عبر مرتزقة يتحدثون الإسبانية، ويُدرّبون الأطفال على القتال، ويحمون مدرجات طائرات تحمل الذهب والسلاح.
*خلاصة القول ومنتهاه:*
▪️هل نمتلك الجرأة على تحويل هذه الوثائق إلى أدوات ضغط دبلوماسي، ورافعة سياسية وأخلاقية؟ هل نمتلك الشجاعة لتجاوز الأدوات المكرورة التي لم تُثمر إلا عزلة وخسائر؟ أم سنكتفي بالتفرّج على ذئاب الصحراء وهي تنهش ما تبقى من جسد الوطن؟