زاوية خاصة / نايلة علي محمد الخليفة *شائعات شلليات الحرية والتغيير … محاولة يائسة للعودة إلى المشهد*
زاوية خاصة /
نايلة علي محمد الخليفة
*شائعات شلليات الحرية والتغيير … محاولة يائسة للعودة إلى المشهد*
منذ وقت مبكر ، وقبل اندلاع الحرب الأخيرة ، سعت شلليات الحرية والتغيير إلى تغيير جلدها والانحراف عن مسار ماسميت زوراً ثورة ، وبإيعاز من الجهات التي تمسك بزمام قرارها ، وضعت هذه الشلليات يدها في يد مليشيا الدعم السريع قبل تمردها ، وذلك بحكم التقاء المصالح بين الطرفين ، فحينما تيقّنوا أن الجيش الوطني ، ومعه الوطنيون من أبناء السودان ، يشكلون حائط صد أمام مشاريعهم الرامية إلى تفتيت السودان وتفكيك جيشه ، كان الخيار بالنسبة لهم هو الاحتماء بالمليشيا ، واعتبارها شريكاً استراتيجياً في المشروع.
وقد ظهرت ملامح هذا التلاقي بوضوح خلال ورش الاتفاق الإطاري ، عندما تبنّى الطرفان خطاباً واحداً ، وكأن الحبر الذي كتبت به تصريحات قادة المليشيا ، هو ذاته الذي صاغ بيانات شلليات الحرية والتغيير ، فالمصدر واحد ، والمعين واحد ، والنتيجة خطاب متطابق يثبت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن الطرفين يقرآن من ذات الورقة ، ويُملَى عليهم من ذات المرجعية.
ومع اندلاع الحرب ، اختارت هذه المجموعات موقفاً رمادياً ، ترفع فيه شعار “لا للحرب” ، لكنه في جوهره أقرب للنار من الرماد ، إذ انحازوا عملياً إلى رؤية المليشيا ودافعوا عنها علناً في وسائل الإعلام ، ورفضوا تجريمها رغم فظائعها وجرائمها التي ارتكبت بحق الشعب السوداني ، بينما كانوا في المقابل يتسابقون لإدانة الجيش الوطني وإلصاق التهم الباطلة به. ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، بل سعوا لاحقاً إلى منح المليشيا صك شرعية زائف عبر مشروع “المصاهرة السياسية” ، الذي أطلقوا عليه مسمى حكومة تأسيس “الحكومة الإسفيرية” ، وهي في حقيقتها حكومة بلا أرض ، بلا شرعية ، وبلا مقومات دولة.
لكن ما إن انكسر ظهر المليشيا وتبدد حلم مشروعها ومخططها ، حتى تكشفت حقيقة عجز هذه الشلليات وفشلها في إعادة إنتاج نفسها ، فقد تهاوى الغطاء الخارجي الذي طالما وفر لهم الحماية ، وتمزق إلى درجة أنه لم يعد قادراً على مواراة سوءاتهم ، وهنا لم يجدوا سوى العودة إلى مربعهم الأول ، مربع بث الشائعات والأكاذيب ، كما اعتادوا قبل الثورة المزعومة.
اليوم تبدو هذه المجموعات في حال بائس يشبه حال الغريق الذي يتعلق بالقشة ، فكلما ظهر تسريب أو جرى إطلاق شائعة ، سارعت للتشبث بها وإعادة تدويرها في الإعلام ومنصات التواصل ، أملاً في أن تكتسب شيئاً من المصداقية. ولعل أبرز مثال على ذلك ما أثير حول لقاء في “سوسيرا” بين البرهان ومبعوث ترامب ، إذ نسجوا حوله القصص والحكايات حتى أوشكوا أن يعلنوا أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت على السودان حكومة جاهزة يقودها المدنيون برئاسة حمدوك ، وكأن أرض السودان عقمت عن إنجاب مدنيين غيرهم ، أو أنها لم تُنجب إلا ذاك العميل.
ولم تتوقف أوهامهم عند ذلك ، بل تجاوزوها إلى تفسير الإحالات والترقيات الروتينية داخل القوات المسلحة باعتبارها “إصلاحات” أزاحت من وصفوهم بالإسلاميين ، في محاولة لتسويق فكرة أن البرهان يسير في اتجاه مشروعهم القديم. وقد تفنن قادتهم أمثال ياسر عرمان وصديق المهدي وسلك ، ونشطاؤهم أمثال مجاهد بشرى وخال الغلابة ، في تضخيم هذه المزاعم ، ثم تعلقوا بخبر آخر مفاده أن اللواء بكراوي ، الذي لم يجف الحبر بعد على قرار إحالته للتقاعد ، قد اعتقل بدعوى تواصله مع أحد أجنحة المؤتمر الوطني للتخطيط لانقلاب عسكري ، متجاهلين أن قضية بكراوي في المحاولة الانقلابية السابقة مازالت مفتوحة ، وأن الإجراء الذي اتخذ بحقه يدخل تحت هذا السياق ، ولا علاقة له بما نسجوه من خيالات.
ولإضفاء شيء من المصداقية على هذه الرواية المختلقة ، أضافوا إليها تفاصيل جديدة ، منها أن السلطات اعتقلت مولانا أحمد هارون وعدداً من قيادات الوطني ، وهكذا تتحول الشائعة عندهم إلى رواية مفصلة ، ثم إلى حقيقة مضللة يتداولونها في منصاتهم ، دون أن يصمد شيء منها أمام الفحص أو مواجهة الوقائع على الأرض.
إن ما تقوم به هذه المجموعات اليوم ليس سوى محاولة يائسة لإعادة إنتاج أنفسهم ، في المشهد السياسي بعد أن فشل مشروعهم ، وانكشف تحالفهم مع المليشيا ، وهم إذ يراهنون على بث الشائعات ، إنما يعكسون خواء مشروعهم وانعدام الحاضنة الشعبية لهم ، فلا يجدون وسيلة للعودة سوى الأكاذيب التي ما تلبث أن تسقط أمام الحقيقة الناصعة.
في النهاية يبقى السؤال الذي يفرض نفسه ، هل يمكن لشلليات لم تستطع أن تحفظ لنفسها ، موقفاً واضحاً خلال أحلك لحظات الوطن ، ولم تجرؤ على تسمية المعتدي باسمه ، أن تعود اليوم لتقود مشروعاً وطنياً ؟ الإجابة تأتي من الشارع السوداني نفسه ، لا مكان لمن خان ، ولا عودة لمن باع نفسه للمليشيا بدافع الحكم على دماء وأشلاء السودانيين … لنا عودة.