منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*الاختفاء القسري* كتبت ✍ د.إيناس محمداحمد

0

*الاختفاء القسري*

كتبت ✍ د.إيناس محمداحمد

لم يعتبر القانون الدولي الاختفاء القسري جريمة منذ البداية وانما تدرج من الإعتراف به ك (ظاهرة ) خطيرة ثم مع ازدياد انتشارها تطور الي تجريم الفعل نفسه ،ثم تطور الي تجريمه ووضع عقوبات له .
لم يتمكن فقهاء القانون الدولي من تحدد تاريخ معين لظهور الاختفاء القسري ك (جريمة) ، لكن اتفقت الاراء الفقهية في القانون الدولي الي ان (ادولف هتلر) هو السبب الرئيس وراء ظهور الاختفاء القسري وذلك حين اصدر مرسوم عرف باسم ( الليل والضباب) في 7 ديسمبر 1941 م ابان الحرب العالمية الثانية ، كان الغرض من المرسوم اعتقال الاشخاص الذين يعترضون الامن الالماني في الاقاليم الواقعة تحت سيطرة المانيا ، ونقلهم واخفائهم وحظر اي معلومة عنهم وعن مصيرهم وذلك لارهاب الناس وتخويفهم ، ثم انتشر الفعل ك ( جريمة) في العالم بعد ذلك خاصة في دول امريكا الجنوبية ، ثم تطورت وزادت في وحشيتها وبشاعتها ، حتي ان احد فقهاء القانون الدولي -وقتها- (لويس جاني) وهو الخبير الفرنسي الذي عمل في اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات وشارك في وضع مسودة اولي لإعلان ينص علي تجريم الاختفاء القسري عام 1988م ، و اطلق علي الاختفاء القسري (جريمة الوقت المعلق) او (الجريمة المستمرة ) لانها جريمة مستمرة طوال فترة اعتقال الشخص قسريا .
لم تسطيع الدول مكافحة الاختفاء القسري كجريمة عبر قوانينها الوطنية او التشريعات الداخلية ، فسعت لبروتوكولات اقليمية ولجأت لاعراف دولية لفترة طويلة ، الي ان جاءت الامم المتحدة وتصدت الي حماية الكثير من الحقوق وتصدت للجريمة نفسها واعتبرتهاجريمة دولية يتعين علي جميع الدول التصدي لها ، واعتبار الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية.
نتيجة لذلك اعتمدت الأمم المتحدة الإعلان المتعلق بحماية جميع الاشخاص من الاحتفاء القسري في العام 1992م ، والذي منع الفعل حتي في الظروف الاستثنائية ك (حالة الحرب) مثلا .
ثم عقدت الاتفاقية الأميركية بشأن الاختفاء القسري لعام 1994م ، وجاءت نتيجة انتشار الفعل الاجرامي بعدد من دول القارة الأميركية ، وهي الاتفاقية الإقليمية الوحيدة في هذا المجال .
ثم كونت لجنة حقوق الإنسان 2001م فريق عامل لإعداد مشروع اتفاقية دولية ملزمة قانونيا حول الاختفاء القسري ، وبالفعل تم وضع الاتفاقية واعتمدتها الأمم المتحدة في 20 ديسمبر 2006م ، ودخلت حيز التنفيذ في 23ديسمبر 2010م .
تعد الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري للعام 2006م ، من اقوي الاتفاقيات الدولية حيث عرفت الاختفاء القسري وأوضحت للدول التدابير القانونية التي يجب اتخاذها في حالة وقوع جريمة الاختفاء القسري ، بما يحقق العدالة ويحفظ كرامة الضحايا واسرهم ويضمن حقوقهم القانونية.
كذلك اعتبر ميثاق روما الأساسي جريمة الاختفاء القسري من ضمن الجرائم المعاقب عليها ضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مما يوضح حجم وخطر هذة الجريمة.
في ذات الشأن ظل القانون الدولي يتناول الاختفاء القسري من خلال ثلاث مكونات اساسية هي ، القانون الدولي لحقوق الإنسان ، والقانون الدولي الانساني ، والقانون الدولي الجنائي ، جميعها تصب في تجريم الفعل دوليا والسعي نحو تقديم الجاني للمحاكمة العادلة بصورة لا تسمح للجناة الافلات من العقاب .
نذكر هنا ان القانون الدولي لحقوق الإنسان ينص في مادته الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية علي انه يجوز للدولة ان تتحلل من التزامها (ببعض) حقوق الإنسان حال تعرضها لظروف استثنائية ، الا ان الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 2006م أرست مبدأ في غاية الاهمية وهو ان اي ظرف استثنائي او اية تدابير عاجلة تقوم بها ، لا تجيز الاختفاء القسري للأشخاص.
كما اقرت الاتفاقية بمبدأ المسؤلية الجنائية الفردية عن جريمة الاختفاء القسري ، وبالتالي لا تستطيع الدولة ان تتسامح او تغض البصر عن جريمة الاختفاء القسري نهائيا .

علي الصعيد الوطني نجد ان السودان انضم للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري للعام 2006م ، في العام 2021م بعد ما صادق المجلس التشريعي المؤقت علي الانضمام للاتفاقية ، وفي الحرب استخدمت المليشيا الإرهابية الاختفاء القسري كسلاح حرب ضد المدنيين وقامت باحتجاز الالاف داخل معتقلات غير معروفة ومنعت التواصل مع زويهم او نشر أي معلومات عنهم وتعمد اخفائهم ونقلهم معها حين تهزم الي معتقلات اخري دون الادلاء باي معلومات عنهم بحيث لا يعرف ان كانو علي قيد الحياة او لا ، المعلومات التي تتوافر مصدرها الناجين او الفارين من معتقلات عما يحدث في تلك المعتقلات. اثر هذة الجريمة لا يقتصر علي الضحايا وحدهم بل يمتد لعائلاتهم واهلهم ، فقد شملت الاحصاءات الاولية للصليب الأحمر الدولي اعداد كبيرة تصل الي الالاف من الرجال والنساء والاطفال جميعهم مدنيين .

سيظل هذا الملف يوثق للمليشيا الإرهابية أفعالها الاجرامية وستظل المطالبة بالافراج عن المحتجزين قسريا مستمرة ، ويستمر التوثيق لروايات الضحايا عبر الاعلام وما حدث لهم ضرورة أخلاقية وقانونية لضمان حقوقهم هم وزويهم و ضمان عدم افلات الجناة من العقاب وتقديمهم للعدالة ، مع المطالبة بتفعيل الآليات الدولية واعلان المليشيا المتمردة منظمة ارهابية .

اتمني ان يكون ملف (جريمة الاختفاء القسري) ضمن ملفات السودان التي يحملها رئيس الوزراء دكتور كامل إدريس في دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ، خاصة وان (انطونيو غوتيريش) الأمين العام للأمم المتحدة تحدث في بدء أعمال الدورة الاممية ال 80 ، يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025م وذكر ان ” المدنيين في السودان يذبحون ويجوعون و تكمم افواههم ، وان الافلات من العقاب هو أساس الفوضي وهو ما ادي الي نشؤ ابشع الصراعات ” ، اذن الكرة في ملعب الأمم المتحدة الان ولها ان تسدد هدفا (انسانيا ) في مرمي العدالة والإنسانية .

اللهم انصر القوات المسلحة نصرا عزيزا يا الله سبحانك لا ناصر لنا الا انت.

الخميس 25 سبتمبر 2025م .

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.