منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خبر وتحليل : عمـار العركـي *الجمعية العامة … عندما يُقال نصف الحقيقة*

0

خبر وتحليل : عمـار العركـي

 

*الجمعية العامة … عندما يُقال نصف الحقيقة*

 

 

خطاب السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي ألقاه د. كامل إدريس، نال احتفاءً واسعًا، وحقّ له ذلك. كان الخطاب قويًّا في لغته، بليغًا في تصوير المأساة السودانية: مدن محاصرة، أطفال مشرّدون، نساء منتهكات، وشعب يواجه أفظع صور التهجير والإبادة. كما سمّى مليشيا الدعم السريع بالفاعل الرئيس للجريمة، وطالب بوقف تدفق السلاح والمرتزقة، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2736 الخاص برفع الحصار عن الفاشر، بل ذهب أبعد حين دعا إلى تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية.
* لكن، وسط هذا الزخم، يظل السؤال الحائر: لماذا لا تُسمّى الأشياء بمسمياتها؟ لماذا يستمر العدو في التحرك بحرية، عبر واجهات وقنوات إعلامية مضادة، تمارس أنشطتها الهدامة بغطاء معلوم وبتواطؤ رسمي أو بصمت مريب؟
* لقد أغفل الخطاب أربع نقاط استراتيجية ، جعلت ما قيل يفتقر إلى التعضيد العملي، فأضعفت صداه على الرغم من قوة عباراته:
1. لم يشر إدريس إلى الدور الإماراتي، الذي تؤكده تقارير دولية وإقليمية كالداعم الأول للمليشيا بالمال والسلاح والغطاء السياسي.
2. لم يضع العالم أمام مسؤوليته في مراقبة تدفقات المرتزقة من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا.
3. لم يسائل مجلس الأمن عن ازدواجية المعايير، حيث تُنفّذ القرارات بسرعة في أزمات أخرى، بينما يظل السودان ينزف.
4. لم يُبرز بوضوح ورقة التهديد الإقليمي والدولي، مع أن استمرار الحرب يفتح الباب لتصدير الفوضى والإرهاب عبر الإقليم كله.
* كان يمكن لهذه النقاط الأربع أن تُحوّل الخطاب من مجرد توصيف للمأساة إلى محاكمة سياسية ودبلوماسية للعالم، تجبر القوى الكبرى على مواجهة تناقضاتها. فالجمعية العامة ليست مجلس الأمن، بل منبر حرّ يمثّل شعوب العالم، ويُفترض مخاطبته من هذا المنطلق دون حسابات سياسية ضيقة.
* ثمّة بعد آخر يغيب عن المشهد: اللقاءات الهامشية التي يعقدها الوفد السوداني على هامش الجمعية، مع شخصيات مثل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ووزير خارجية روسيا. هذه اللقاءات عادة ما تُبنى على ما يُقال في الخطاب الرسمي أمام القمة. فكيف نُقنع شركاءنا بالتحرك الجاد إن كنّا نُمسك ألسنتنا على ملأ العالم، ثم نقول الحقائق على خلاء؟
* إن قيمة خطاب د. كامل تكمن في أنه ثبّت رواية الدولة السودانية أمام العالم، وأعاد تعريف المليشيا كجماعة إرهابية لا كشريك سياسي. لكنه، في المقابل، ترك الباب مفتوحًا لضعف المصداقية أمام من يُفترض أن يساندوا السودان، لأن ما قيل كان نصف الحقيقة، بينما النصف الآخر – وهو الأهم – ظلّ طي الكتمان.
*_خلاصة القول ومنتهاه :_*
* نعم، خطاب د. كامل يستحق الاحتفاء، لكنه لم يستكمل رسالته. ما قيل كان صرخة ضمير، أما ما لم يُقَل فكان السلاح الحقيقي القادر على إحراج العالم ودفعه للتحرك. والسودان اليوم أحوج ما يكون إلى خطاب اتهامي مباشر، يربط الدم السوداني بالبصمات الإقليمية والدولية التي تُغذّي المأساة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.