منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*ليس رجماً بالغيب.. ماذا بعد الفاشر.. إلا مروي.* بقلم د. إسماعيل الحكيم..

0

*ليس رجماً بالغيب.. ماذا بعد الفاشر.. إلا مروي.*

 

بقلم د. إسماعيل الحكيم..

Elhakeem.1973@gmail.com

سقوط الفاشر لم يكن نهاية المعركة، بل بداية مرحلة جديدة تُعيد رسم خطوط الخطر على خريطة السودان. فالمشهد بعد الفاشر يشي بتحركاتٍ خفية تتجاوز حدود دارفور، وتتجه في قراءتها الأعمق نحو الشمال، حيث الولاية الشمالية، وتحديدًا دنقلا ومروي.
هذه المناطق ليست نقاط على الجغرافيا فحسب ، بل هي شرايين استراتيجية تمتد على ضفاف النيل، وتُمثل عمقًا لوجستيًا حيويًا لأي تحرك عسكري أو محاولة اختراق جديدة. إنّ إرهاصات ما بعد الفاشر توحي بأن مليشيات الدعم السريع — بعد خسائرها المتتالية في الغرب — تسعى إلى إعادة تموضعٍ في الشمال عبر مساراتٍ صحراويةٍ قادمة من ليبيا، مستفيدة من اتساع الفراغ الحدودي وضعف المراقبة في بعض الممرات النائية.
أما الضجيج المثار حول التوجه إلى الأبيض أو بابنوسة، فليس إلا ستارَ دخانٍ لتعمية الهدف الحقيقي. فالتاريخ العسكري القريب يُعلمنا أن التشويش جزء من المعركة، وأن نقل الأنظار إلى اتجاهٍ آخر هو مقدمةٌ لتحركٍ خفيّ في الجهة المقابلة. لذا فإن الواجب الوطني يحتم رفع “تيرموتر الحذر واليقظة” إلى أعلى درجاته في الولاية الشمالية، استعدادًا لأي محاولة عبورٍ أو تسللٍ مفاجئ.
وعلى الجيش السوداني، ومعه الأجهزة الأمنية كافة، أن يُفعّل منظومة الرصد والمراقبة بدرجةٍ غير مسبوقة..
بل الواجب فعل الآتي
– ضبط حركة الأفراد والمركبات عند كل المداخل والمعابر الحيوية.
– مراجعة تراخيص النظاميين وتحركاتهم داخل الولاية لضمان الانضباط والشفافية.
– تفعيل الكاميرات وأنظمة المراقبة الذكية في الطرق الرئيسة والمطارات والموانئ النيلية.
– تكوين خلية أمنية استطلاعية مشتركة تضم ممثلين من القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والدعم الفني، مهمتها قراءة المشهد الميداني لحظة بلحظة وتقديم التقارير المبكرة قبل أي خطر محتمل.
لكن الحذر الأمني لا يعني الانغلاق أو الهلع، بل يقظةٌ متزنةٌ تحفظ الأمن وتحمي المواطنين. فالتاريخ لا يرحم المتهاونين، ولا يغفر لمن يستهين بإشارات الخطر. ومن المؤسف أن بعض المدن دفعت ثمن غفلتها يومًا، حين ظنّت أن المعركة بعيدة عنها.
ما بعد الفاشر ليس شأنًا عسكريًا فحسب كما يظن كثير من الناس ، بل تحدٍ وطني شامل يستدعي تضافر الجهود الرسمية والشعبية والإعلامية، وتوحيد الخطاب الوطني في وجه كل محاولات التسلل والفوضى. فالمعركة القادمة — إن اندلعت في الشمال — ستكون معركة قتل وسحل وتشظي لم يعرف لها مثيل قط..
إن السودان اليوم في مفترق طرقٍ تاريخي إما أن يُحسن قراءة ما بعد الفاشر فيرتفع بوعيه الأمني إلى مستوى الحدث، أو يُكرر أخطاء التهاون التي جعلت النار تمتد من إقليمٍ إلى آخر. فالوقت لم يعد يحتمل المجاملات ولا التحليلات الباردة.
وما نرجوه اليقظة هي عنوان المرحلة، والتنسيق المشترك بين القوات النظامية هو خط الدفاع الأول عن وحدة البلاد. وعلى الجيش السوداني أن يبقى أمينًا على تراب الوطن فوق أمانته التي عهدناها وعرفناها ، وعلى المجتمع أن يكون سندًا واعيًا يساند دون تهويل، ويراقب دون ارتجاف.
فالتاريخ يكتب الآن فصله الجديد بعد الفاشر،
وصفحة الشمال ستكون — لا محالة — الاختبار القادم لوطنٍ لم ينهزم بعد بإذن الله تعالى.. اللهم أشهد إني قد بلغت..

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.