مبارك اردول يكتب: *مفاوضات جدة بين الآمال والمخرجات*
مبارك اردول يكتب:
*مفاوضات جدة بين الآمال والمخرجات*
قراءة سريعة لبيان مخرجات الحوار والتفاوض الذي استمر لاكثر من عشرة ايام بين وفدي القوات المسلحة والدعم السريع.
في الوقت الذي تعلقت آمال وتطلعات العديد من المواطنين بأن تؤدي جولة المفاوضات المنتهية في جدة الى اتفاق بين الجانبين يمهد لإنهاء الحرب عبر وقفها بوقف الاعمال العدائية ويسهل دخول المساعدات الانسانية ، ويتخذ اجراءات سريعة لاحقا لمعالجة اثارها من عودة النازحين واللاجئين الى بيوتهم واعادة تشغيل المؤسسات الخدمية، الا ان المخرجات التي صدرت في بيان الخارجية السعودية جاءت مخيبة للامال بشكل كبير حيث فشلت في تحقيق اهم هدف بالنسبة لها وهو وقف الحرب ووقف نزيف الدم السوداني مما يشير الى صعوبة التوصل لنهاية للحرب في طاولة المفاوضات هذه، وانما شرعن الاتفاق نظرية فاوض وقاتل (Fight And Talk) ، وهو مبدأ صفري أناني لا يؤسس لمكاسب للطرفين وينهي معاناة المواطن، وانما يجعل احدهم يكسب كاملا والثاني يخسر كاملا (Zero Sum Game) .
اهم واخطر جزئية في الاتفاق انه لم يؤكد تنفيذ اعلان جدة الموقع في الحادي عشر من أيار مايو الماضي ٢٠٢٣م وهو الذي اقر فيه الدعم السريع الخروج من بيوت المواطنين ومغادرة المؤسسات المدنية وازالة الارتكازات في الطرقات، فقد جعل هذا البيان اعلان جدة المذكور اعلاه احدى المرجعيات فقط وعلى ضوءه، كان افضل منه هنالك عبارات تفاوضية قاطعة لا تتحمل الاوجه اذا وضعت مثل يعتبر هذا البيان مكملاً او يقرأ مع اعلان مايو او يوضع نص وفقرة مفادها التزاما واكمالا لاعلان جدة المؤرخ في مايو الماضي كان ارحم واقوى، لا ادري كيف فوت وفد القوات المسلحة هذا المكسب المهم، واصبح من ارشيف المرجعيات.
اشار الاتفاق الي نقطة دخول المساعدات الانسانية عبر مكتب الامم المتحدة وعبر الية مشتركة وهو امر روتيني عادي يحدث وفق القانون الانساني الدولي وهو من صميم عمل الامم المتحدة ، ولكن الالية الجديدة هذه المرة هي التي تتكون من قادة القوات المسلحة والدعم السريع لتنفيذ اجراءات بناء الثقة ومن بينها اكثر نقطة غريبة وملفتة هي القبض على (احتجاز الهاربين من السجون ) ومعلوم هذا اتفاق سياسي فالمقصود منه السجناء السياسيين من قادة النظام السابق، وستظهر عند التنفيذ واعداد القوائم بالمقصودين، ففضلا عن إن الامر شأن قضائي متروك للسلطة القضائية تنفيذه ومطلوب من طرفي النزاع دعمها لكنه تحول لاتفاق تفاوضي مما سيقود من شأنه لازمة سياسية بين القوات المسلحة تحديداً وبين اعضاء تنظيم النظام السابق، وهي حرب جديدة، وكلنا يعلم انهم في هذه الحرب قرروا الانحياز لصالح القوات المسلحة ضد الدعم السريع، وهذه النقطة حقق فيها وفد الدعم السريع مكسب كبير على القوات المسلحة وربما سيخلق فتنة في معسكرها عند اعداد القوائم لتنفيذ البند، والذي حتما سيتمسك به الدعم السريع، كان لا يجب ان تسمح بطرح قضايا قضائية وعدلية في منبر تفاوضي يسعى خلاصته لوقف الازمة ولا يؤسس لاخرى فلا يمكن حل مشكلة بخلق مشكلة اخرى.
ايضا لم تقف المسألة عن ذلك الحد وانما ذهبت ابعد منه وهو الفقرة التي تليها وقد قالت (اتخاذ اجراءات حيال الاطراف المثيرة للتصعيد والمأججة للصراع ) وهي عبارة حمالة اوجه ستقود بشكلها الفضفاض هذه الي اتخاذ إجراءات (غير محددة) ضد كل من يقدر انه كذلك والمقصود هنا خصوم الدعم السريع الذين هم خارج السجون (البلابسة) كما اطلقها عليهم حلفائها قحت.
الملاحظ ايضا ترك الاتفاق كل الجهات التي ارتكبت جرائم في حق المواطن من قتل واغتصاب واختطاف ولم يشير للمذابح التي ارتكبت في حق المدنيين في الجنينة ولا غيرها من المدن وترك الفاعلين احرار ولم يصدر مجرد ادانة في حقهم ناهيك عن قبضهم في السجون وملاحقتهم بواسطة القضاء والعدالة المحلية او الاقليمية او الدولية ، فهولاء كانوا اولى ببند السجون والملاحقة.
ايضا ملاحظة اخيرة عن المنبر انه صاحبه تعتيم على مجريات المفاوضات وكان هو اخطر السياسات التي اتبعت بحيث صورت القضية وكان القوات المسلحة والدعم السريع يتقاتلون في مكان بعيد لا يتاثر المواطن بصراعهم وكأن القضية تخصهم هم فقط والبقية غير معنيين بها ، هذا التعتيم قصد منه عزل وفد القوات المسلحة من اكبر قاعدة شعبية يتمتع بها ليخرج باتفاق مثل هذا.
لا ندري هل في ختام جولة المفاوضات ستعرض هذه الاتفاقية لبرلمان من الشعب او استفتاء كما حدث في اتفاقية السلام الشامل او غيرها ام ستظل نخبوية فوقية هكذا ومعزولة عن المواطنين.
للامانة هذه الجولة حقق فيها وفد الدعم السريع انتصار لا يقل عن المكاسب الميدانية التي حققها في دارفور في الاسبوع المنصرم.