منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. ليلى الضو أبو شمال تكتب: *شكرا للحرب*

0

لعل المصائب في ظاهرها المحن ولكن في طياتها الهبات والمنح، وكيف لا وقد قال أعظم قائل “ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ونبلو أخباركم ” ، وكيف لا، وقد روى البخاري ومسلم في الحديث الشريف أن (أشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل) ، ولنا في قصص الأنبياء كثير من العبر وأتعجب لمن يسخط اذا أصابه ضيق وألم ووهن كيف لا يصبر ؟ وكيف يغضب؟ أتغضب على أمر الله، وفي ذلك يقول الحافظ بن حجر ( ابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفعه منزلة)، وإذا تأملنا حقيقة الدنيا كلها ليست دار المقام وانما هي محطة عابرة لأن المحطة الأخيرة هي دار الخلود التي يجب أن نعمل من أجلها ، وليس أن نعمر أرضا ليسوا ساكنيها للأبد ، وقد ذكر ابن القيم عدة فوائد وحكم من الابتلاء لو أدركها الإنسان لتمناها كما كان بعض الصحابة يجدوا في عدم ابتلائهم غضب عليهم من الله، ومن تلك الفوائد التي عددها ابن القيم أنها تمحص ما في القلب أي تخليصه وتنقيته وتهذيبه فإن القلوب يخالطها حكم العادة وتزيين الشيطان واستيلاء الغفلة، ان الابتلاء يفرق بين الطيب والخبيث فالإنسان الخبيث هو الذي يعيش في الرخاء ولا يحب ولا يرضى بالشدة بدلا منه ولا باليسر عسرا، أما الإنسان الطيب فهو من يصدق فيه قول الله( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) يقول أحد السلف ( الناس ما داموا في عافية فهم مستورون فاذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم فصار المؤمن إلى إيمانه وصار المنافق إلى نفاقه) ، “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون” ، ويقول ابن القيم ليعلم المبتلي أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله و إنما جاءت لتمتحن صبره و تبتليه.
وأيضا من من فوائد الابتلاء إظهار المحب من المبغض أي المحب لمن نزل به البلاء أو المبغض له
*جزى الله الشدائد كل خير*
*عرفت بها عدوي من صديقي*
كذلك الابتلاء يعمل على القيام بالعبودية على اختلاف الأحوال ، والله سبحانه وتعالى إنما خلقه للابتلاء والامتحان فيستخرج منه عبودية السراء وهي الشكر وعبودية الضراء وهي الصبر وهذا لا يتم الا بأن يقلب الله الأحوال على العبد،، كذلك يكون البلاء سببا في الرجوع إلى الله والوقوف في بابه والتضرع و الاستكانة والدعاء، والبلاء يخلص العبد من الكبر والعجب والفخر والخيل فلولا محن الدنيا و مصائبها لأصاب العبد من أمراض الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما يكون سببا لهلاكه،، وأمر سابع وهو تكفير السيئات ومحوها، فالمصائب كفارات مع أنها يسيرة فانية وهي تدفع عقوبات الآخرة مع أنها خطيرة باقية،، كذلك يعمل البلاء على تحصيل الأجر والثواب حيث أنه كلما ازداد البلاء ازداد الأجر ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “ان عظم الجزاء مع عظم البلاء” كذلك البلاء يرفع الدرجات يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ” إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل فلايزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه اياها”،،،والأمر العاشر أن البلاء يعمل على الحصول على رضا الله تعالى فإن المبتلى إذا رضي بالبلاء فإن الله تعالى يرضى عنه ،، كذلك يعينه البلاء على دخول جنة الرحمن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام “حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”، ويرى ابن القيم فوائد أخرى للبلاء منها زوال قسوة القلب وانكسار العبد لله عز وجل وتذكير العبد بذنوبه ومقت الدنيا وبعث النفس للعمل ليوم معادها فالبلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين ومعرفه قيمة وقدر العافية فالنعم لا تعرف أقدارها إلا بعد فقدها.
*لاتكره المكروه عند حلوله
إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها
لله في طي المكاره كامنة*
ولنا في حرب السودان عظات وعبر وبلاء وامتحان وصبر فمن فقد بيته فليقل الحمد لله أنه لم تغتصب ابنته أو أخته أو زوجه ، ومن فقد سيارته فليقل الحمد لله الذي ما ابتلاه بشلل يعجزه أن يأتي مثلها ، ومن فقد عزيزا عليه أبنا أو أبا مقاتلا مجاهدا مدافعا فليقل الحمد لله الذي وهبنا شهيدا وشفيعا ومات موت الرجال ، وبذلك فلنقل شكرا للحرب التي علمتنا أن البلاء نعمة وامتحان نسأله أن يثبتنا فيه بالقول الذي يتبعه العمل
وأخر الكلام
*أن لله الحمد أن بعض الرزايا عطاء وأن المصائب بعض الكرم*

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.