منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. محمد بشير عبادي يكتب : *الجود يفقر والإقدام قتال*

0

شاهدت مقطعاََ مصوراََ على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث صاحبه فيه وهو أحد مواطني دولة جارة، يتحدث عن دخول السودانيين بكثافة إلى دولته عقب الحرب التي اندلعت في الخرطوم وعدد من ولايات السودان، وصف الأمر بأن من وراءه (أجندة) لم يسمها ولكن يريد أن يقول أنها ليست بهجرة عادية هرباََ من مخاطر ولكنها ربما مؤامرة على بلده، ذاكراََ عدة أمثلة لتجاوزات من أفراد سودانيين واحتكاكات مع مواطني دولته، بل ذكر مدناََ بعينها أنها تحولت لمدن سودانية بالكامل جراء الاستقرار فيها بأعداد كبيرة مهولة من السودانيين.. من حق الرجل أن يخاف على أمن بلاده ومن حقه أن تثاوره الظنون حد الوساوس من هذا الوجود السوداني في بلده والذي ربما لم يشهده صاحبنا من قبل، رغم أن حديث الرجل كان بحدة واضحة تعكس ربما مرارة يحس بها ولكنه بالقطع أراد أن يرسل رسالة مباشرة للسلطات في بلده حتى لا يغفلوا، فتكون هجرة السودانيين عليهم وبالاََ، فهو يتحوط لأسوأ السيناريوهات ولا يريد أن تمر الأحداث هكذا عفو خاطر وإنما يدعو بلاده لليقظة وأخذ الحذر.. إن الحرب المدمرة التي نشبت في السودان، كانت نتيجة غفلة عشنا فيها طوال العقود الماضية، غفلة كانت محصلتها حرب شرسة وقودها مقاتلين أتوا من خارج الحدود، هذه الحرب أحدثت (فوبيا) لدى دول الجوار من تكرار ذات السيناريو لديها، لذلك فإن تشديد إجراءات دخول السودانيين لتلكم الدول أو المضايقات التي يلقوها من مواطني ذات الدول، إنه لأمر مبرر، فالسودان لم يكن لتحدث فيه هذه الحرب التي استهدفت المواطن في المقام الأول قتلاََ وتشريداََ ونهباََ وإنتهاكاََ للأعراض، لم يحدث ذلك كله لولا التفريط في الحدود وإهمال حراستها والتهاون في دخول الأجانب عبر دول الجوار، تهاون حد أن تغرق البلاد بأعداد لا حصر لها من الأجانب دخلوا بصفة رسمية أو غيرها دون رقيب أو حسيب حتى صار الأجنبي يطمع في إزاحة المواطن السوداني والاحلال بدلاََ عنه في بيته وأرضه، إنه الهوان بعينه الذي جعل دول الجوار تتعظ من ألا تقع فيه هي الأخرى، فيصير حالها كحال السودان، إن الحالة السودانية الراهنة صارت مصدراََ لهلع الآخرين من تكرار ذات المشهد.
بالمقابل علينا في السودان، أن نتعامل بالمثل قادم الأيام، ليس ردة فعل لما قامت به دول الجوار تجاه السودانيين بعد الحرب فهذا من حقهم وهذا لا ينقص من العلاقات الحسنة مع دول الجوار وكما ذكرت هي إجراءات طبيعية ومبررة ولكن المعاملة بالمثل التي أقصد، هي أن نكون بذات الحس الأمني والوطني على المستوى الرسمي والشعبي في التعامل مع القادمين إلينا من دول الجوار في وقت السلم أو الحرب، بمراقبة الحدود والتشدد في إجراءات الدخول عبر المنافذ كافة وإعادة النظر في إشتراطات منح سمات الدخول والتصاريح ومعالجة أمر اللاجئين وقوانين الإقامة.. نحن أحق من غيرنا في التشدد من إشتراطات الدخول إلينا لسببين رئيسين: أولهما أننا دولة غنية الموارد وكثير منها كما هو معلوم يذهب إلى دول الجوار بصفة رسمية أو تهريباََ ويعاد تصدير هذه الموارد والمواد الخام بعد إعمال القيمة المضافة عليها لكافة دول العالم، فالسودان سادتي سلة غذاء العالم ولكنها سلة ظلت على الدوام متاحة للجميع دون ضابط.. السودان بموقعه المميز ظل على الدوام معبراََ أبوابه مفتوحة للجميع حتى كادت البلاد أن تفقد هويتها بسبب التغيرات الديموغرافية التي أحدثها هذا الانفتاح وهذا يقود للسبب الثاني للتشدد في إشتراطات الدخول إلى السودان مستقبلاََ وهو الحرب التي نعيش مراراتها الآن والتي جاءت نتيجة ما ذكر من إنفتاح غير مشروط وغفلة وتهاون في حراسة حدود البلاد مما جعلها قبلة الطامعين الذين وجدوا أنفسهم بأنهم الأحق بسكنى بلادنا وإجلاءنا عنها، فالمال السائب يعلم السرقة، فكان مخططهم الخبيث وأفعالهم الأخبث، لم يكونوا ليتجرأوا على فعلتهم النكراء هذه إذا كان هناك حارساََ صارماََ على بوابة السودان ولم يكونوا ليتجرأوا لو وجدوا مواطناََ واعياََ بدوره الوطني حريص على أمن وإستقرار بلاده، مراقباََ لكل ظاهرة شاذة غير معتادة، يمكن أن تهدده في حياته الهانئة الوادعة.
حتى هجرة السودانيين أنفسهم ينبغي أن تكون في موضع قوة لا ضعف، فنحن شعب غني بمواهبنا ومهاراتنا وعلومنا، شعب متحضر منذ آلاف السنين، فالحرب رغم أنها كتبت علينا كرهاََ ولكن عسى أن تكرهوا شيئاََ وهو خير لكم، فلنهتبل فرصة وجودنا خارج السودان في التسويق لبلادنا تجارة وصناعة وثقافة ولنستفد من إمكانيات وتجارب البلاد التي هاجرنا إليها في تسويق منتجاتنا، لنجعل منظوماتنا الإنتاجية زراعية كانت أو صناعية أو خدمية تتمدد حول العالم لا محلياََ فقط،المنظومة الإنتاجية نحن نملك كل عناصرها من موارد بشرية وخامات زراعية أو صناعية ومعدنية ورؤوس أموال، لما دائما نترك الأمر فيها للغريب؟! فيغتني هو من مواردنا ونعيش نحن دوماََ في مسغبة، خذ مثالاََ إذا كنت تمتلك مزرعة للدواجن عبر المنظومة الإنتاجية يمكن أن تذبح هذه الدواجن وتطهى وتوزع على سلسلة مطاعم، هذه السلسلة يكون لها فروع داخل السودان وخارجه، أنظر للقيمة المضافة لهذه الصناعة وأنظر لعوائدها من بعد ذلك وقس على ذلك بقية الأنشطة.
كثير من الجاليات الاجنبية في الدول الغنية تعمل بذات الطريقة تستجلب الخامات من بلادها وتقوم هي نفسها بالتصنيع والتسويق داخل الدولة المضيفة، لذلك نجد كثيراََ من الجاليات تُهيمن على الأسواق، بل وتحتكر تجارة أو صناعة أو خدمة بعينها وتشتهر بها ويجنون من وراء ذلك أموالاََ طائلة ويستخدمون لذلك أساليب كثيرة منها الشراكات الذكية والتعاونيات لأفراد الجالية نفسها فيما بينهم، بذلك تسهم هذه الجاليات في نهضة بلادها الأم وهم خارجها وكذلك يكتسبون سمعة طيبة وإحتراماََ لدى الدول التي تستضيفهم..يا أهل السودان لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون بقيمكم النبيلة وبثراءكم المادي والحضاري.. العالم يحتاجنا وليس العكس، فقط لنعرف قيمة بلادنا الحقيقية وندير مواردنا بحنكة ونسوق ونعرض أنفسنا للعالم بصورة تضعنا في مقامنا الصحيح في مقدمة الدول لا ذيلها..العالم اليوم يحترم القوي ونحن نملك كل مقومات القوة،هي ذات مقوماتنا التي يستقوى الآخرين بها علينا ويمنون، فلما نرضى الهوان لأنفسنا ونحن أهل العطاء ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.