كمال الزين يكتب: *الجنجويد قتلوا أبي وبيني وبينهم ثأر شخصي*
( .)
حينما نزح أهلي شمالاً بطريقهم إلى مصر المؤمنة ، عدة أشهر من المعاناة بالطريق إلى عطبرة ثم مصر ، وصلوا أخيراً ، لكن والدي سقط منهم بأم الطيور …
سقط كما يسقط شيئاً من قافلة الملح في صحراء العتمور ، تركوا خلفهم قبره و مضوا ليحافظوا على ما تبقى من أبي … ( أمي ) .
زهدت بالحياة …
لم تعد تعني لي شيئاً …
خسرت الكثير بسبب هذه الحرب …
خسرت منزلي و سياراتي و كل مغتنياتي …
خسرت تعاطفي مع غمار الناس …
خسرت إحساسي بوطني و بمكارم أهليه …
بيني و بين الجنجويد ثأرٌ شخصي …
ليس لأنهم نهبوا بيتنا و شردوا أهلنا و سرقوا كل ما عملنا من أجله …
بيني و بينهم ثأر ٌ شخصي …
لأنهم حرفياً …
قتلوا أبي …
زهدت بالحياة …
لأن أبي كان كل شيء بالنسبة لي …
لم أعد أحفل بصراعات الساسة ، يمينهم و يسارهم …
لم أعد أأبه لمن سيحكم و من سيُحكم و من سيجلس على عرش مملكة الجماجم و النار و الدم …
فقط أنتظر أن أرى نهاية الجنجويد و مقاتل قادتهم …
هذا الجيش الذي يحارب الجنجويد ، لم يعد يهمني إن قاده البرهان أو كرتي أو الخطيب …
فهو جيش يقاتل عني و عن ثأري و عن ثأر كل من سقطوا بطرق النزوح من آباء و أمهات كانوا مسالمون هانئون غاية حياتهم أن ينعموا بالسكينة في كبرهم …
لم ينازعوا أحداً سلطانه …
و لم يقتلوا نملة بمفازة و لم يقطعوا شجرة بمرعى …
هذا الصراع لم يعد بالنسبة لي صراعاً سياسياً …
لم يعد حتى صراعاً جهوياً ولا قبلياً …
هو بالنسبة لي حرباً تدور بين قتلة أبي و أعداءهم أنى كانوا كنت معهم …
لست محايداً في دم أبي …
و لست متسامحاً فيه …
فمن أخذ منا أبي …
أخذ حياتنا …
أخذ منا حتى الرغبة في المضي قدماً في ما يمكن أن يسميه غيرنا مستقبلاً …
أستطيع أن أقول و بكل صدق :
أنني زهدت كل شي ء
عدا توقي لرؤية الجنجويد و مناصريهم بالمشانق و القبور …
و لن تقبل روحي التي صدأت سوى ذلك …
أو أن يعيدوا لنا أبي حياً …
أنتظر موتهم بشغف …
أنتظر هزيمتهم بحقد لم أعهده في نفسي من قبل …
فكل هذا التراب الذي يقتتلون حوله و كل هذه المكتسبات و الثروات التي أسالوا دماءنا لأجلها لا تسوى إبتسامة أبي المطمئنة في مخدعه الوادع قبالة معهد أم درمان العلمي بضاحية العرضة المستباحة من عرب الشتات و مناصريهم من كل حدب و كل صوب …
لقد قتل الجنجويد بأنفسنا كل معنى تربينا عليه و كل حلم وطني نمنا و بأجفاننا وعد إنتظاره …
فقد قتلوا أبي …
زهدت بالحياة و لا زلت أنتظر مصارع التتار و لن يزعجني رؤية الكلاب و هي تأكل جيفهم …..
لست محايداً في ذلك …
و لست موارباً حقدي …
بعدها لن أحفل بالموت و لن أحرص على البقاء و لن أقلق على مستقبل هذا الوطن الذي صار مملكة الجماجم و البغضاء و الأرواح الرخيصة و الأعراض المستباحة و الدماء التي تسيل شلالات في سبيل سلطة لا تدوم و ثروة تصب بدول الجوار و جاه مبتذل يلتحف به كل قاتل و سفاح لبس رداء السياسي …
زهدت في متابعة أخبار الحرب …
أجلس بغرفتي المظلمة أنتظر نبأ مقاتل الجنجويد و تذوقهم لما أذاقونا من ويلات سبقها وعيد …
زهدت …
…
..
.