علم الدين عمر يكتب: بيروت والقاهرة والخرطوم .. وللكتابة أشجانها
حاجب الدهشة..
..مقولة قديمة..عتيقة…أنهكها البلى و(قضت منها الدنيا غرضها) بالتقادم ..والمواجع ..القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ..فلا القاهرة تكتب هذه الأيام ولا الخرطوم تقرأ ..أبداً ..أبداً أما بيروت فلم يبق منها في مدارج القراءة إلا بعض أضغاث الذاكرة ولغة الصحافة غير الرائجة هذه الأيام فالعدو قد إستباحها من العمق ولم يبق لنا منها إلا الأسي ومر الذكريات..علي تخوم بيروت اليوم تداعت الأهوال لأن رصاصة الخيانة الغادرة التي حملت الشهيد إسماعيل هنية إلي الجنة بإذن الله تدفع فاتورتها الآن من حساب الأمة في عاصمة الأدب العربي لا زلت أطرب كلما تذكرت أن أستاذنا حسين خوجلي قد نبهني ذات مرة أنني أكتب بلغة بيروتية .. فأتلمظ طعم الثلج ويداعب خيالي خيط من كلمات إيليا أبو ماضي..أو بعض لكمات نزار قباني الذي أتخذ هذه العاصمة الخليط بين الفرنجة وحداثة العروبة منصة لوثباته الجامحة في الشعر والتسكع على حانات الأماني ..اليوم يخرج النداء ساخناً من قلب المطبخ الامريكي لرعايا الإمبراطورية الوارثة بمغادرة بيروت فيتبعها الكورال العربي كذلك بذات النداء بدل أن يدعم المقاومة الحرة للتقدم والدفاع في حده الأدني ..القاهرة شغلتها متاهات الليل المتناسلة ليس عن الكتابة فحسب بل أن مطابعها تحولت لأوراق بالية من القصدير الرخيص الذي لا صبر له على أرفف المكتبات إلا بمقدار الفجيعة وطاحونة القتل والتجريم فمدينة المواجهة الأولي وحدها الآن في خط الدفاع عن مقدسات الأمة ومجدها الآفل تسعي بذمتها وأخشي ما أخشاه أن تترك وحيدة يترصدها الحمل الثقيل وتثقلها التحديات المتناسلة ..أما الخرطوم فقد تداعي عليها المقاطيع من كل فج موتور وتقاذفتها المؤامرات والدسائس علي أنقاض الثقافة والأدب وأنس الليالي ومواجد التاريخ وسلام المجتمع الذي جعل من هؤلاء السمر الميامين ورثة شرعيين لمجد العروبة ..عاصمة بكل ألق العروبة الذي مضى يتناهشها ضباع الليل اليوم ويحوطها الخراب المتعمد وقد عز عليها النصير ..الخرطوم التي تلاحقت أوجاعها وتباعدت خطاها عن سلامها ومنتدياتها و ليالي أنسها ..من كان يظن أن حرباً علي تخوم الخرطوم قد يتسني للأمة تجاوزها فهو واهم أو محموم …القاهرة اليوم تكتب تاريخها الجديد في المواجهة بعد أن تدافعت علي شرفاتها كتائب الأمة من اليمن وسوريا وبعض أهل العراق لينضم إليهم كرام السودانيين الذين أتجهوا إليها ريثما تلتقط الجغرافيا أنفاسها وهاهي غزة كذلك ترنو لها ومصر لا تكل ولا تمل بأزهرها وميادينها وجامعاتها تكتب و الخرطوم تقرأ من كتاب التاريخ و تعطلت قراءاتها في الإقتصاد والسياسة والإجتماع ..الخرطوم التي كانت تتلقف إنتاج المطابع ساخناً قبل أن يجف مداده أصبحت لا تحتفي برائحة الحبر ولا تأبه لخبز المطابع ..الخرطوم اليوم وكما بيروت والقاهرة في قلب المعركة ولب المؤامرة …لم تعد القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ فقد أحيط بنا وغفلنا عن هذه الإحاطة بثرثرات السياسة العقيمة وهمهمات أسفل المدينة التي ظنناها أدباً وثقافة وهي يومئذ مجرد (دسيس مان) وخمر رخيص ومباراة فارغة .. لم تسقط الخرطوم بعد ..وستعود ولكن من يعيد لنا ذاكرة السعد وأنس الليالي وأمان النفس ..ستكتب القاهرة ولكن من يعيد لها حبر البركة ورائحة المحبة وعطر العراقة وفي النفس شيئ من غزة والرفاق قد رحلوا..ستنجو بيروت مما يراد بها ولكن من يعيد لها ألق البدايات وشمس الشتاء الدافئ وأمنيات الشعر والأدب وأحلام الأمة .
…..
#منصة_اشواق_السودان