د. أسامة عيدروس يكتب : جرتق النيل ومحكات القيود (الحلقة الرابعة)
د. أسامة عيدروس يكتب :
جرتق النيل ومحكات القيود (الحلقة الرابعة)
2 أكتوبر 2024م
من كل النواحي:
قبل أن يكمل المقال السابق أربع وعشرين ساعة إلا وسطر الرجال بدمائهم رسم الخط الواصل بين ربك وسنار وأعلنوا تحرير جبل موية بفضل الله ونصره. ولكن قصة سنار والجزيرة لنا فيها عودة كبيرة ونحن نرقب شرار الغضب في صدور الرجال بقرى الجزيرة شرقها وغربها وجنوبها وهي تتحول إلى عزيمة لا تلين. من بربكم خدع المليشيا وجعلها توقظ الدب المتوحش من سباته الشتوي؟ لكن هذه قصة أخرى ومقال قادم.
اليوم نحن مع محمد مفتاح الفيتوري ننشد:
فوق الأفق الغربي
سحاب أحمر لم يمطر
والشمس هنالك مسجونة
تتنزى شوقا منذ سنين
والريح تدور كطاحونة
حول خيامك يا تاج الدين
أقسى فظائع هذه الحرب بدأت في الجنينة دار أندوكا مع انتشار فيديوهات غدر المليشيا بالوالي خميس أبكر والتمثيل بجثته وصلبه وقطع رأسه. ثم تحولت المليشيا إلى مواطني المدينة وبدأت في تصفيتهم عرقيا حتى إن عدد القتلى في هذه المجازر تجاوز 17 ألفا، وبلغ عدد المخطوفين من قبل المليشيا نحو ألفي شخص. ووقفت قوات الدعم السريع أمام الفارين من الجحيم لتقوم بفصل الشباب والأطفال الذكور ورميهم بالرصاص أو القائهم أحياء في وادي كجا بينما يقوم بعضهم باغتصاب الفتيات حتى القاصرات جماعيا وامام بقية من تبقى من السكان. وقتل بدم بارد الأمير طارق بحر الدين شقيق سلطان المساليت وظلت جثته ثلاثة عشر يوما في العراء ومنع حتى أقاربه من الاقتراب منها أو دفنها.
هذه الأحداث ألقت بظلال مرعبة حول حقيقة الدعم السريع وأهداف حربه الموجهة مباشرة ضد الشعب السوداني. وزادت المخاوف بعد انتشار الدعم السريع في نيالا وزالنجي والضعين كأسراب من الجراد لا تخلف وراءها الا الخراب والدمار. يكفي فقط أن ترى الجامعات وقد تحولت إلى كوم من الخراب لتعرف معنى الظلام والجهل الذي يقاتل جنود الدعم السريع لنشره في كل أنحاء السودان.
تدور سردية غبية جدا يتداولها أبواق الدعم السريع وداعميهم من الساسة الذين غابت بوصلتهم بأن حركات الكفاح المسلح هي التي تسببت في هجوم الدعم السريع على الفاشر في شهر مايو 2024م بعد أن ظلت على الحياد في الحرب. ولكن الواقع يقول أن الدعم السريع ظل يخطط لاجتياح الفاشر منذ البداية كتعويض لفشله في السيطرة على الخرطوم وكاستراتيجية بديلة ليس لتكرار سيناريو ليبيا كما يظن البعض وانما لتأمين ظهره والتخطيط لاجتياح كل السودان. وكما قلنا فإن هذا شكل خطأ استراتيجيا منح الجيش الفرصة لالتقاط أنفاسه في الخرطوم والبدء في اعداد استراتيجيات الهجوم الذي نرى بشائره اليوم.
لقد بدأ الدعم السريع هجومه على الفاشر منذ الأسبوع الثاني من أبريل حينما انتشرت قواته تحرق وتقتل وتنهب القرى الامنة في ريفي الفاشر فأحرق منطقة سرفاية والقرى المجاورة لها ثم مضى لمناطق ام عشوش وجرونقا وتركنية وجقي مقرن وأم هجاليح وشقرة وقولو مجبرين سكان هذه المناطق على النزوح من أجل فتح الطريق أمام قواتهم المتقدمة لحصار الفاشر والهجوم عليها.
أكثر من 140 هجوما بكل أنواع الأسلحة ومدافع الكورنيت وحتى الطائرات المسيرة نفذتها مليشيات وعصابات الدعم السريع على الفاشر مستهدفة المواطنين مباشرة وكل المرافق الصحية من أجل اجبارهم على النزوح منها. صمود الفاشر سيظل اسطورة تروى لأجيال قادمة كما ستروى قصص محرقة المليشيات وقادتها في أطراف الفاشر دليل على أن العقل الذي يخطط لهذه الحرب لا يعرف عن السودان شيئا. لقد تحولت الفاشر إلى محرقة يأتيها فزع المليشيا كالفراش الحائر حول النار لا يستطيع الفكاك من ضوئها ولا النجاة من نارها. بغباء منقطع النظير استنزف الدعم السريع قواته وقوات المرتزقة التي استجلبها من الخارج. ولم يتعلم الدرس رغم الهروب المتكرر لعبدالرحيم دقلو من مكان مراقبته للمعركة في تخوم الفاشر كلما جاءه خبر مقتل قادته الكبار وعلى رأسهم علي يعقوب وقرن شطة والشيوخ وأبناء النظار الذين جلبهم برعونته المعروفة ليلاقوا حتفهم ببنادق الميارم الماجدات من نساء الفاشر وإخوانهن في القوات المشتركة.
طوال فترة المحرقة كانت رمال دارفور تغلي والقوات المشتركة تواصل الاعداد والتدريب والحشد انتظارا لبركان الصحراء القادم من كل النواحي.
ونواصل