حوارات حول الأفكار (124) حيدرمعتصم مدني بكتب : قناة الجزيرة … الباشا طبيق وآخرون
حوارات حول الأفكار (124)
حيدرمعتصم مدني بكتب :
قناة الجزيرة … الباشا طبيق وآخرون
تُعَرَّفْ كلمة “حوار” إصطلاحا بأنها الحلقة أو الخطوة الإستكشافية الأولي لسلسلة من الخطوات واللقاءات المتتالية التي تؤدي في نهايتها إلى
) توافق أو إتفاق طرفين مختلفين على أمر ما في ميادين عدة سياسية كانت pأو إقتصادية أو إجتماعية أو غيرها،ودائما ما يعمل الإعلام كمرآة تعكس و تكشف تلك الإختلافات عبر برامج حوارية و أخبارية متنوعة ترتكز في الأصل على مدارس و عقائد إعلامية هدفها الأساسي جذب أكبر عدد من جمهور المشاهدين والمتابعين عبر الوسائط المختلفة و من وراء ذلك تحقيق أجندة القناة و القائمين على أمرها.
من المؤكد أن لكل قناة في الفضاء الإعلامي العربي سياسة محددة في إدارة برامجها الحوارية و السياسية و قطعا من وراء تلك السياسة أهداف تعمل الفضائيات و تتعارك من أجل تحقيقها بطرق عدة أقرب إلي حالة من السيولة الأخلاقية و القانونية الكاملة تبعا لأهواء من يمتلكها و معاييره الخاصة شخصا كان أو دولة، و قد تميزت قناة الجزيرة في ذلك الفضاء الواسع على غيرها من القنوات بالحوارات السياسية الساخنة عبر برامجها المختلفة القائمة على فكرة الحياد على قاعدة شعارها التاريخي الرأي و الرأي الآخر و الحرص على توزيع الفرص بين الضيوف بالتساوي و التشديد علي منعهم من الإساءة لبعضهم البعض إمعانا في إظهار الحياد شكليا لا جوهريا.
بطبيعة الحال إذا كان من المفترض أن الطريقة التي تدار بها الحوارات في فضاء الإعلام العربي هي إنتاج أفكار تساهم في إيجاد حلول لمشكلة ما فإن الحوارات القائمة على فكرة وجود ضيفين مختلفين فكريا و سياسيا و الحرص على توزيع الفرص بينهما بالتساوي دون وجود لمرجعية مشتركة تحكم الحوار بينهما هي فكرة عبثية خادعة تدور حول حلقات مفرغة من الهواء الساخن المحتقن في الصدور المؤدي في النهاية إلى صفر نتائج بل و إلي تعميق المشكلة نفسها و زيادة الإحتقان في صدور الضيوف و جمهورهم و لا تفضي أبدا إلى نتائج مثمرة مهما تطاولت طالما أن الحوارلا يحكمه إطار مرجعي مشترك بين المتحاورين و لذلك تظل أولوية الحوار من أجل تجميع الناس حول مرجعيات وطنية مشتركة هي الأولوية القصوى التي لا يمكن إقامة حوار من دونها إذا كانت فعلا المقاصد و الأهداف من الحوار داخل دهاليز القناة الرأي و الرأي الآخر و السعي بحق إلى تحقيق نتائج إيجابية لصالح خدمة القضايا العادلة للشعوب.
لا يختلف إثنان في أن قناة الجزيرة و غيرها من القنوات تعرف تماما أن الأحزاب السياسية في السودان لم تنشأ أجساما معلقة في الهواء لا أصل لها ولا جذور،و إنما هي مكونات تنتمي لهوية و عقيدة وطنية ضاربة الجذور تستمد شرعيتها منها و من إنتمائها لتراب و أرض تستوجب صيانة حدودها و تنمية ثرواتها المادية و تستمد شرعيتها أيضا من إنتمائها لشعب له قيمه الحضارية التي تستوجب حمايتها والإعتزاز بها قولا و فعلا و إعتبار التعدي عليها تعديا علي الأمن القومي للبلاد والعمل علي تحويل تلك القيم الحضارية إلي دستور ينظم عملها وعمل الدولة بمكوناتها المدنية و السياسية و لا يمكن لتلك المكونات أن تستمد مشروعيتها من غير دستورها النابع من مكوناتها القيمية و الحضارية التي تنبني عليها بالأصالة الرؤية الكلية للدولة ، و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون حرية العمل السياسي و تبادل الرأي و الرأي الآخر لا يمكن أن تكون مصدراً لمشروعية الممارسة السياسية كما هو مشاع بين الناس و تظل الحرية هي مبدأ من مبادئ تلك الممارسة التي لابد أن ترتكز على قواعد صلبة من المرجعيات الدستورية المستمدة من القيم الحضارية للشعب و الضامن االوحيد لحفظ الأمن القومي الشامل للدولة و ذروة سنامها.
تمثل فكرة برنامج فوق السلطة أحدأميز الأفكارالتي انتجها عقل قناة الجزيرة التي تدعوا إلى ما ندعوا له بالعودة إلى المجتمعات و مؤسساتها المدنية كمنصات تأسيس في ظل غياب المرجعيات الدستورية و صراع التكتلات الأيدلوجية الإستئصالية المتطرفة حول تلك المرجعيات… تقوم فكرة البرنامج على مقدمة تقول : ( عندما يتجاوز الحكم حدوده يراقبه المشرع، يكشفه الإعلام، يحاسبه القضاء..و عندما تخفق كل هذه السلطات.. أنتم فوق السلطة) و يدعم ذلك الشعار بقوة فكرة عدم جدوى تلك البرامج الحوارية العبثية و يفضح تناقضها بل و خطورتها علي فكرة العمل على بناء مرجعيات وطنية مشتركة ليساهم ذلك مباشرة في فرملة برامج التحريض والفتنة على شاكلة.. المديدة حرقتني.. الخادمة لأجندة أعداء الأمة و على نقيض ذلك العمل على إنتاج برامج تتسق مع و تعمل على خدمة قضايا الشعوب و تحقيق أشواقها للحرية و السلام و العدالة الإجتماعية.
*خاتمة :*
من المؤكد أن لكل مؤسسة إعلامية و تحديدا القنوات الفضائية قضية و أهداف تعمل علي خدمهتا السؤال هنا لقناة الجزيرة هو : ما هي الأهداف التي تعمل علي خدمتها القناة في السودان..؟ و أنا هنا لا أوجه إتهاما و لكن أتساءل فإذا كانت الجزيرة مهتمة فعلا لا قولا بمعالجة المشكلة في السودان لماذا لا تنقل النقاش حول القضية السودانية إلى حوارات عميقة عبر مراكز بحثها و تفكيرها ليكون حوارا حول القضايا الفكرية المتعلقة بإعادة توصيف ماهية المشكلة نفسها و من ثم كيفية إعادة تأسيس و بناء الدولة السودانية على أسس الهوية القومية المشتركة بديلا عن كونه نقاش حول أحداث عبر واجهات سياسية إستئصالية متطرفة و متصارعة حول مرجعيات أيدلوجية عبثية من خلال قنوات الإثارة و التشويق بطريقة تشبه إلى حد بعيد ما يحدث بين المشجعين على مدرجات ملاعب كرة القدم و لا تخدم بأي حال من الأحوال إلا أجندة إطالة أمد الصراع و تأجيجه أواره إلى مالا نهاية. … نواصل