أبابيل عمّار باشري يكتب : مأساة الجنوب : تبضّع علي جثث الموتي و دفوف علي شواهد القبور (٢)
أبابيل
عمّار باشري يكتب :
مأساة الجنوب : تبضّع علي جثث الموتي و دفوف علي شواهد القبور (٢)
السبت ١٨-يناير ٠٢٥م
* ذكرت في المقال السابق امرا مهما حول (مذبحة الضعين) مارس ١٩٨٧م والتي راح ضحيتها حوالي (٢٠٠٠) مواطن معظمهم من النساء والأطفال .. ومما يزيد من موثوقية الرقم وسرديته هو فشل (السيد رئيس الوزراء الامام الصادق المهدي)؛ في تقديم دعوة اتهام متماسكة تستند علي بيّنات قوية تبطل مزاعم (المُتهَمَيْن دعشاري محمود ودسليمان بلدو)في قضيّة شكّلت أخطر تهمة له خلال فترة حكمه بالتستّر علي جريمة شنعاء ضحاياها رقم مهول من شعبه . وحين فشل في ذلك استخدام سلطته في معاقبتهما ؛فحاول الاستعانة بالنائب العام (مولانا محمود حاج صالح) فاعتذر فلجأ الي وسيلة اخري نعود فيها إلي المصدر السابق (كلّف وزيره صلاح عبد السلام بتوجيه مدير الشرطة اللواء عبدو كاهن بفبركة تهمة ضدي، فانصاع عبدو كاهن وامتثل للتوجيه، وكلف بالتنفيذ الرائد آدم دليل ؛ فاختلق تهمة عقوبتها الإعدام) ..
* إنّ مذبحة الضعين تكشف حقيقة إزدواجيّة المعايير وزيف المبادئ وتناقض صريح حد الإضطراب بين القيم والمبادئ امام اختبار ميزان العدالة والمساواة لكل المواطنيين ؛ وامتحان القانون لحماية آلجميع مؤسساتهم (سلطة) وأفراد (شعب) .
* (مذبحة الضعين)حوّلت الشعارات ودعاوى يرددها الساسّة والمثقفون لمجرد سلعة رخيصة وكُتل صمّاء بلا وجدان ولا رحمة ولا ضمير حين تقف قامة فكرية (الصادق المهدي)وزعيم سياسي تاريخي بتعليم (إفرنجي) متقدّم ؛ وثقافة غربيّة كاملة الدسم حد الإفتتان حتي صارت الديمقراطية معشوقته والعدالة يفتتح بها صلاته ويقيم عليها مأتمه وعليها يعاهد ويسالم ويخاصم؛ سقطت الرايات وتلقّف الثعبان ما يأفكون من سِحر خِداعهم للعوام وسرقتهم للأحلام في موقف عصيب لا يقيم وزناً ولا يشكّل فاجعة (وإن علي المستوي الشخصي) ؛ ومعه سقطت أكذوبة نحن العدل ونحن الإنسانية ونحن حيث حقوق المواطنة .
* هل تعلم عزيزي القاريء ما هي مفاجاة المواقف في تلك اللحظة .. والصمت يظلّل الرؤوس ولا صوت يعلو ع اصوات الحزبين الكبيرين ؛؛
* إنّها مبدئيّة وإستقامة حركة الإسلام والطلاقة والعدل والمساواة؛ كانت الجبهة الإسلامية القومية تخوض معاركها لوحدها لا وكالة ولا اختباء ولا زيف وكالسهم تنطق تسابق الريح ؛ وكحدِ السيف تقطع اعظم القول وما التبس علي الأفهام ..
* وحدها الجبهة الإسلامية من صدعت بالحقِ وبالحق لا يَنطِق إلّا لِسانها ومعقودة قلوب القوم تُتَمْتم كالسُكاري وهي ذاك افواه تبكي عويلا حزاني علي ضحايا حادثة الجزيرة ..
* عقدت الجبهة الاسلامية بدارها بالخرطوم ندوة سياسية كُبري أمّها الالاف من السياسيين واهل الإعلام وأضعافهم من ابناء الجنوب وذوي الضحايا ؛؛ خاطبها أمينها العام الراحل شيخ حسن الترابي وشيخ إبراهيم السنوسي ومن الجنوبيين ابناء الحركة الشهيد داحمد الرضي جابر ودعلي تميم فرتاك ..
* ظلت الحركة الإسلامية قِبلة المظلوميين لا تنظر لقبيلة ولا جهة ولا دين ؛ وملاذ الخائفين؛ وقلعة الصمود تواجه اعتي الديكتاتوريات وتدفع كامل الثمن والحساب أرواح وحبس وجراح ؛
* استمّرت احزاب الطائفية في تلك الحقبة المُظلمة في هدم جُدران الثقة بين المواطن(المِيري) والحاكم المتمثّل في عهد ديمقراطية الثالثة . وشرعت سؤآلات تتناسل عن علاقة الديمقراطية وموقفها من العنف خارج القانون ؟! وتستّر السياسي ذريعة لطمر وِزَن وكفّة العدل؟! ؛ وثبر أغوار الاخلاق والمُثُل عند محك التطبيق الحرفي للقانون ؟!
ويا للحُزن والعبرات لم تنقطع في العهد الديمقراطي الاول والزمان فجر الاستقلال ؛ وبذات العقليّة التبريرية وبلسان ٍ لجّ ومنطق فجّ وموقف معوّج ..
* لم تتعظ (حكومة المهدي) من سابقة حادثة وجريمة عنبر جودة (جودة مشروع زراعي بالنيل الأبيض جنوب كوستي) نتيجة احتجاجات مطلبيّة للمزارعين بدفع متاخرات إستحقاقاتهم الماليّة لأكثر من عام من عائدات محصول القطن راح ضحيتها حوالي (٢٠٠) من المزارعين والعمّال (١٨فبراير ١٩٥٦م) نتيجة حبس هذا العدد الكبير داخل عنبر (هنكر من الزنك) في نهار صيف غائط ؛؛
* اورد دنصرالدين شلقامي في كتابه -كوستي-على لسان أحد الناجين الثلاثة من الموت :(ولم تمض ساعة أو ساعتين علينا، ونحن في تلك الغرفة المغلقة النوافذ والأبواب حتى شعرنا بالضيق يضغط على صدورنا، ويمسك بأعناقنا، ويقطع أحشاءنا. ثم سال العرق من أجسادنا على أرض الغرفة.وبدأنا نشعر بشيء يشبه الاختناق. ثم جفت شفاهنا وتحجرت حلوقنا. وأصدرنا صيحات للحراس، الذين كانوا يحملون السلاح ويمشون على مقربة منا من الخارج، نطلب الماء والهواء حتى لا نختنق. وكان الرد يأتينا في كل مرة بالسخرية مننا، وبالرفض القاطع لإعطائنا الماء والهواء هنا اشتد ضربنا على النوافذ والأبواب وكنا قد فقدنا القوة تماماً واستحوذ علينا اليأس. ولما انتصف الليل أصيب البعض منا بنوبات تشبه الجنون وكانوا يطأون رقابنا وظهورنا ويرددون كلمات غير مفهومة ثم يسقطون صرعي على بعضهم البعض. ورأيت على مقربة منى بعض الرجال ولعلهم من بيت واحد، يمسكون ببعضهم البعض بعنف وشدة حتى تخرج أرواحهم)
* كان موقف(حكومة الزعيم الوطني أزهري) اقل فداحة فقد أقام محكمة وإن كانت صوريّة لكنّها أدانت اثنين من الضباط وبعض الجنود تحت تهمة (القتل بسبب الاهمال) وان أطلقت سراحهما لاحقاً؛ لكنها لم تحاكم او تعاقب من كان في مقام المسوولية الاول ومُتخّذ القرار الفعلي ..
* رحِم الله الشاعر والدبلوماسي الرمز والجلال صلاح احمد ابراهيم وهو ينادي شهداء (عنبر جودة):
لو أنهم حِزمة جرجير يُعدّ كي يُباع
لخَدَم الاِفرَنج في المدينة الكبيرة
ما سلخت بِشرتهم أشعّة الظهيرة
وبان فيها الإصفرار والذبول
بل وُضِعوا بحذر في الظلّ في حظيرة
وبلّلت شفاههم رشَاشَة صغيرة
وقبّلت خدودهم رُطوبة الأنداء
والبهجةَ النضيرة ..
* شهدت (مريم الصادق)
* وسمع سفاهة(صديق المهدي)
* وكان حضورا فخيما وزير الدولة بالدفاع ذاك الاوان يقبّل عباءة سِيْدَو (اللواء برمة ناصر)
* والامام الصادق المهدي يدافع عن المذبحة، (ياللعار) وأنها كانت للانتقام المستحق ضد جون قرنق براديو لندن مايو ١٩٨٧م وبمؤتمره الصحفي سبتمبر ذات العام بالخرطوم ؛ و أسقط نوابه والحزب الاتحادي الديمقراطي بالبرلمان مقترح لإجراء للتحقيق في المذبحة ؛؛
* وياااا للعجب وذراري المهدي وأشياعه واتباعه ومريديه وسفه قحط تهمي أدمُعا سُحُبا ..
ماذا فعلنا بحق الذارفات دما
ما شأننا اليوم فيها أيها الملأ
يا نار نمرود كوني كلما نفخوا
جرى بنا نفس الرحمن وانطفؤا
* يتبع إن شاء الله.