منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

✒️ صهيب حامد *آيديولوجية المركز العروبي في السودان.. كيف تشكلت وكيف أنهت حرب الجنجويد صلاحيتها!!؟.(٢٠-٣٠)*

0

✒️ صهيب حامد

*آيديولوجية المركز العروبي في السودان.. كيف تشكلت وكيف أنهت حرب الجنجويد صلاحيتها!!؟.(٢٠-٣٠)*

صهيب حامد

إذن وكما أوضحنا في الحلقة السابقة وجدت التشكيلة الخطابية المهدوية قابلة داخل الإطار الثقافي الإجتماعي لقبائل البقَّارة وذلك لأن الأخيرين قد إستدمجوا بنية عقل تناسلي عزلتهم من التفاعل مع بنيتي العقل البرجوازي اللتين سادتا شمال وجنوب حزام البقارة في ذلك الوقت من القرن التاسع عشر. وهكذا لعب البقارة الدور الذي أراده لهم التاريخ في نصرة المهدية ، ولكن من يدٍ ترتفع حواجب دهشتنا من إصرار السردية الرسمية للمركز العروبي على إسقاط هذا الموقف (موقف البقَّارة) على القوى الإجتماعية الأخرى بغرب السودان أو مناطق نفوذ (سلطنة كيرا) إلى ١٨٧٤م!!؟. سوف نؤجل الإجابة على هذا السؤال إلى بعد قيامنا بإستجلاء مواقف هذه القوى الأخيرة (مجتمع الكيرا) من المهدية ، وما إذا كانت هذه القوى قد إستدمجت في إطارها الثقافي الإجتماعي خطاباً مهدوياً أم العكس!!؟.

لقد إنصرف الزبير باشا بعد هزيمته للسلطان إبراهيم قرض بمنواشي في ١٨٧٤م ثم دخوله الفاشر للتعامل مع خطر برز تواً ممثلاً في رفع الأمير حسب الله (عم السلطان إبراهيم قرض) راية المقاومة بعد أن تقهقر الفور بقيادة (سلاطين الظل) من الكيرا إلى جبل مرة!!.إستطاع الزبير باشا مداهمة الأمير حسب الله والقبض عليه وسيق مخفوراً إلى الفاشر حيث أرسل فيما بعد منفياً إلى القاهرة. يقول موسى المبارك في كتابه الركيزي (التاريخ السياسي لدارفور) أنه ما أن غادر حسب الله بن محمد الفضل الفاشر منفياً حتى ثار أخواه بوش وسيف الدين ضد الحكومة ولكن سرعان ما قتلهما الزبير باشا في جمع من أتباعهما في ١٨٧٥م بالقرب من كبكابية. خبت نار سلاطين الظل هنيهة بعد الهزائم التي تجرعوها ، ولكن في ١٨٧٧م رفع هارون بن سيف الدين بن السلطان محمد الفضل راية المطالبة بمُلك أسرته حيث إستطاع طوال ثلاث سنوات هز عرش الحكم التركي بدارفور. يقول موسى المبارك أن ما فاقم أمر هارون هو تزامن تمرده مع تمرد سليمان بن الزبير. ولكن بعد مقتل (سليمان) بواسطة جسي باشا ب(دارا) في ١٨٧٩م تفرّغت الحكومة لهارون الذي إستطاع في واحدة من هبّاته الوصول إلى أسوار الفاشر. وهكذا تنفست الحكومة التركية بدارفور قليلا كي يستطيع النور عنقرة الذي كان حاكما على كلكل بعدها النيل من هارون وقتله بدار قمر في ١٨٨٠م. وهكذا من بعد ذلك إندلعت الثورة المهدية لتجد (دود بنجة) سلطان ظل على عرش (الكيرا) ، وحيث أن هذا الأخير لم يكن بعنفوان سلفه هارون لم يشكل خطراً جدِّياً على سلطة محمد خالد زقل عامل المهدية الجديد على دارفور ، حيث وفي موقف درامي إستجاب (دود بنجة) لنداء الخليفة المجيء إلى أم درمان محارباً في صفوف المهدية إلى سقوطها. بعد هجرة (دود بنجة) إنتصب يوسف إبن السلطان إبراهيم قرض (سلطان ظل) خلفاً له ، والذي كانت له أيضاً مراسلات مع (الخليفة) واعداً إياه الهجرة لأم درمان. ولكن نتيجة للتوتر بين الخليفة عبد الله و الإشراف من أقارب المهدي بعد وفاة هذا الأخير ، فإستدعى الخليفة عبد الله عامله بالفاشر (زقل) للحضور إلى أم درمان ، ولكن للتوتر الذي طرأ على العلاقة بين الخليفة والأشراف (زقل كان قريباً للمهدية من الأشراف) طرأت على خطط الخليفة في استدعاء يوسف إبراهيم بعض المتغيرات. وفي هذا التوقيت من العام ١٨٨٦م ، وبعد إلحاح الخليفة على حضور (زقل) لأم درمان في إطار محاصرة نفوذ الإشراف في دارفور ، ركب (زقل) على رأس جيش جرار ميمماً شطر أم درمان مروراً بالأبيض. ولا ندري أتم ذلك برضا الخليفة أم لا ، ولكن نصّب (زقل) قبل سفره أبناء الملوك السابقين في عروش جدودهم ، ومنهم يوسف إبراهيم الذي نصّبه (زقل) على الفاشر وكبكابية. وهكذا بخروج (زقل) من الفاشر حتى إستعاد يوسف إبراهيم عرش أبيه سلطاناً ليس على الفاشر وكبكابية فحسب بل شن حربه لإخضاع حتى باقي مناطق السلطنة السابقة ، وكذلك أحيا عادات ومراسيم الملك وصارت الرعية تسجد له إلى آخر طقوس ممارسة الحكم لدى الكيرا!!. وهكذا جنّ جنون الخليفة فأرسل على وجه السرعة قريبه عثمان آدم (جانو) من الأبيض عاملاً على دارفور فخاض حروباً جمة ضد يوسف إبراهيم إلى أن تمكن من قتله على يد الختيم موسى في ٣ فبراير ١٨٨٨م.

بعد موت يوسف إبراهيم تولى الأمر خلفا له أخوه (أبو الخيرات). لقد لَحِظ أبو الخيرات الإرهاق الذي لحق بقومه (الفور) فبرح جبل مرّة ميمماً شطر دار قمر. بلا شك فلقد كانت لكل من سلطنتي و(دّاي) و(دار سلا) إلى جانب (السنوسي) بالجغبوب مصالح جمة في إضعاف حكم المهدية بدارفور حتى لا تفكر في التمدد غرباً. وهكذا إستمر دعم سلطان ودّاي للإضطرابات بدارفور إلى أن ظهر (أبو جميزة). هو شاب صغير السن إسمه (محمد الزين) ، ولكن يبدو أن سمات الصلاح والورع وإتيان بعض الكرامات قد صنعت حوله هالة إكسبته قلوب وأفئدة جماهير غفيرة في الجبهة الغربية لدارفور(قِمِر وتامة ومساليت وبرقو وفور). أُسمي بأبي جميزة لجلوسه دوما أسفل شجرة جميزة بحلة (جميزة حمرا) بدار تامة موئله الذي ظهر منه ، وإن لم يعدم من يلصق عليه من أتباعه كرامة بأنه خرج من هذه الشجرة (الجميزة) التي إعتاد الناس رؤيته جالساً تحتها!!. في البدء إستشري أن أبو جميزة هو محمد المهدي السنوسي نفسه ولكن فيما بعد بطل هذا القول. لكن إن لم نعدم الشواهد فيما بعد دعم (خليفة السنوسي) لثورة ابو جميزة وتشجيع مريده السلطان (محمد شريف) سلطان ودّاي تقديم أكبر دعم ممكن للثوار. وهكذا حثّ سلطان ودّاي كل من حكام تامة وقمر ومساليت وكذلك سلطان ظل الفور (ابو الخيرات) لدعم (ابو جميزة). لم يَدّعي (أبو جميزة) خلافاً كبيراً مع المهدية ، فهو أثبت تبعيته للمهدي وإن إختلف مع خليفته في سده لطريق الحج إلى مكة. كذلك فلقد إدعى أحقيته بمقعد الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) بعد إعتذار السنوسي عن توليه ، فهو قد أبدى إستعداده لبيعة الخليفة عبد الله إن عدل عن موبقاته ومنها سد طريق الحج. يقول موسى المبارك أن ما أضفى هيبة على أبو جميزة أنه قرن إسمه بإسم محمد المهدي السنوسي ليستغل نفوذ هذا الأخير لجذب أتباعه من جماهير الجبهة الغربية الذين يتبعون الطريقة السنوسية. يستطرد المبارك بأن خلف غشاء حراك (أبو جميزة) الديني غلالة شفيفة من السياسة ذات أهداف محددة وواضحة. فلقد كانت ثورة أبو جميزة محاولة للتخلص من حكم المهدية بدارفور من قبل أطراف عديدة معروفة.. (الفور) بقيادة أبو الخيرات الذين رموا بثقلهم خلف أبو جميزة لإستعادة ملكهم الضائع ، وحكام تامة وقمر ومساليت ، ومن وراء هؤلاء سلطان ودّاي و(خليفة السنوسي) بالجغبوب. لقد إستطاعت ثورة أبو جميزة إلحاق الهزيمة بكافة قوات المهدية بدارفور ، حيث إنهزم الختيم موسى في (أبو قرين) من قِبَل جيش (أبو جميزة) وهكذا كي يبدأ التراجع التدريجي لقوات المهدية بدارفور بعد أن ظلت منذ ١٨٨١م في تقدم متطرد. ثم تتلوها هزيمة (أم دخن) التي فرضت على قوات المهدية بدارفور الإنسحاب من كافة الحاميات في (دارا) و(شكا) و(كلكل) و(وكبكابية) و(أم شنقة) والتمركز في الفاشر.

ولكن فجأة وكما دبت روح الثورة في دارفور خَبتْ!!. ففي ٢٢ فبراير ١٨٨٩م زحفت كافة القوى الإجتماعية المعادية للمهدية بدارفور والتي مثّل (أبو جميزة) أملها المرتجى ميممة شطر الفاشر ، فوصلت أسوارها ولكن دون (أبو جميزة) الذي مات نتيجة مرض (أم دم)!!. كي تدور المعركة خارج الفاشر على تلالها الرملية ، وإستطاع عثمان (جانو) بحنكة إشتهر بها أن يلحق الهزيمة بهذه الجيوش التي تفرقت بعدها وإلى الأبد بعد أن فقدت روح الثورة (أبو جميزة). وأخيراً كي يتنفس (الخليفة) في ام درمان الصعداء لتخلّص (مشروعه) من أكبر مهدد واجهه منذ إندلاع ثورته في ١٨٨١م!!..نواصل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.