منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

من اعلي المنصة ياسر الفادني يكتب:  *لا تجعلوا مقتلكم بين فكيكم*

0

من اعلي المنصة

ياسر الفادني يكتب:

*لا تجعلوا مقتلكم بين فكيكم*

الكلمة سلاح، قد تبني جسورًا من الثقة أو تهدمها في لحظة، قد ترفع القائد إلى مكانة التقدير أو تسقطه في هاوية الرفض والازدراء ، المسؤول مهما علا شأنه، لا يملك ترف العبث بالتصريحات، فكل كلمة تخرج منه لا تعود، بل تبقى محفورة في ذاكرة الشعوب، تسجلها صفحات التاريخ، وتتناقلها الألسن، إما فخرًا وإما تهكمًا

القائد الحقيقي لا يتحدث بلسانه فقط، بل بوعي مستشاريه، وحكمة من حوله، وحرصه على ألا تكون كلماته سلاحًا يرتد عليه، كثير من التصريحات غير الموفقة أودت بأصحابها إلى مستنقع العزلة السياسية والاجتماعية، جعلتهم مادة للسخرية والنقد اللاذع، وجردتهم من الهيبة والاحترام ،التصريحات العشوائية المنفعلة التي لا تُحسب عواقبها، ليست مجرد زلات لسان، بل قنابل موقوتة تفجر ما تبقى من ثقة الناس في القائد

المسؤول الحكيم لا يقول كل ما يفكر فيه، بل يقول ما يجب أن يُقال، وفي الوقت المناسب، وبالطريقة التي تخدم المصلحة العامة، لا مجال للمكابرة في هذا الشأن، فالأمم لا تُقاد بالغضب، ولا تُبنى بالتصريحات النارية التي تستهدف شرائح من المجتمع، أو تستخف بآلام الناس، أو تقلل من حقوق الآخرين. يجب أن يكون هناك فريق واعٍ، مسؤول، يدقق كل كلمة تخرج من فم القائد، ينقيها من الانفعال، ويرتبها لتكون رسالة قوة وحكمة، لا سببًا في تأجيج الصراعات وخلق العداوات

كم من قائد أضاع هيبته بكلمة؟ وكم من مسؤول فقد شعبيته بتصريح أرعن؟ وكم من حركة سياسية خسرت تعاطف الناس بسبب خطاب مستفز؟ التاريخ لا ينسى، والشعوب لا تغفر بسهولة. في عصر الإعلام المفتوح، لا تموت الكلمات، بل تعيش وتتضخم وتتحول إلى عناوين دائمة تلاحق صاحبها، فيصبح رهينة تصريح غير محسوب، يحاول تبريره بعد فوات الأوان، لكن بعد أن يكون الضرر قد وقع

القيادات، خصوصًا في الحركات المسلحة أو القوى السياسية، مطالبة بأن تدرك أن قبولها لدى المجتمع لا يتحقق بالسلاح ولا بالقوة، بل بالحكمة في الخطاب، والرشد في التصريحات، والقدرة على كسب القلوب قبل كسب المعارك، الألفاظ مسؤولية، وليست مجرد حروف، وكل تصريح هو رسالة توجه للناس، فإما أن يكون جسراً نحوهم، أو جدارًا يفصلهم عن صاحبه

لذلك، لا تغتالوا شخصياتكم برصاص ألسنتكم، لا تضعوا أنفسكم في فخ النيران الصديقة، لا تجعلوا مقتلكم بين فكيكم. فالتاريخ يكتب، والشعوب تسمع، والمستقبل لا يرحم من لم يحسن اختيار كلماته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.