منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

فاطمة فتحي تكب : *رسل التعليم في زمن الحرب: مشاعل النور من القضارف*

0

فاطمة فتحي تكب :

*رسل التعليم في زمن الحرب: مشاعل النور من القضارف*

فاطمة فتحي

في زمنٍ اختلطت فيه ملامح الوطن بين الرماد والدمع، وظلال النزوح وأوجاع الخراب، ظل هناك من لم يبدّل وجهته، ولم يساوم على رسالته، ولم يترك الميدان… إنهم المعلمون، رسل التعليم، الذين اختاروا أن يكونوا مشاعل نور في عتمة الحرب، ينيرون درب الأجيال رغم ضيق الحال وقسوة الظروف.

من ولاية القضارف، تنهض حكاياتٌ ملهمة، تصنع المجد بصمت، وتؤكد أن في عمق المأساة ما زال للضمير التربوي رجال ونساء يذودون عنه ببذلهم اليومي.

في مقدمة هؤلاء، يبرز الأستاذ معاوية محمد علي عثمان، مدير مدرسة عمر قرض سابقًا، مدير مدرسة الميدان النموذجية للبنات حاليًا، رجلٌ لم تُنهكه الحرب، ولم تُثنه الظروف، مواصلا مسيرته بنفس الهمة والعزيمة والإرادة، يحمل رسالة الاستنارة وسط الركام. واضعًا نُصب عينيه أن التعليم قضية وطن، لا وظيفة عابرة.

هو ذاته الذي كان يقتسم راتبه الزهيد مع تلاميذه المعدمين والنازحين، ويكافح بإصرار ليُعيل أسرته من عمل إضافي كسائق ركشة، فكتب سطورًا من التضحية لا تُمحى. كما قال أحد أولياء الأمور: “والله هذا أكبر من كلمة إنسانية”.

وعلى الضفة الأخرى، تقف الأستاذة رندا عبد المنعم إبراهيم، مديرة مدرسة الجباراب شرق، رمزًا نسائيًا للوفاء بالتكليف الأخلاقي قبل المهني. لم تكتفِ باستيعاب طلاب مدرستها، بل فتحت قلبها ومدرستها لاستقبال الأطفال النازحين، وتعهدت للوزارة بتحمل كامل المسؤولية، رغم علمها بضعف الإمكانات. وحين جاءها دعم لا يكفي، لم تكن دمعتها إلا حرقةً لفرحتهم التي لم تكتمل. هكذا تبكي الأمهات حين لا يستطعن تقديم ما يليق بأحلام صغارهن.
كسرة
وتحت ظل شجرة أو داخل “عريشة”، يواصل تلميذ من تلاميذ القضارف دروسه بصبر الرجال، يكتب بحروف الطباشير على ألواح الصبر، حاملاً حلمه بيد، ومسؤوليته المجتمعية بيد أخرى، في صورة تختزل معاناة شعب، وإصرار أمة.

ما بين هذه المواقف، تبرز القدرة الفذة لهؤلاء المعلمين على الجمع بين الإدارة الحكيمة، والعطاء التربوي، والتكيف مع شح الإمكانيات. فهم لا يعملون داخل مؤسسات فحسب، بل يبنون وجدانًا، ويرفعون راية التعليم في وجه اليأس والانهيار.

ومن هنا، نرفع الصوت عاليًا:
يا وزارة التربية والتوجيه بولاية القضارف، يا مؤسسات الدولة والمجتمع، هؤلاء لا يستحقون الشكر فقط، بل يستحقون التكريم والدعم والرعاية.
إن تكريم هؤلاء هو تكريم لكل معلم اختار أن يصمد، وأن يزرع في قلوب تلاميذه بذور الأمل، رغم دخان الحرب وغصة النزوح.

كما نناشد بضرورة تأسيس سجل شرف تربوي يوثق هذه النماذج النادرة، ويحتفي بها رسميًا وإعلاميًا، ويجعل منها قدوةً للأجيال القادمة، ورسالةً للعالم بأن التعليم في السودان لا يُقهر، ما دام فيه مثل معاوية ورندا وغيرهم من الأبطال الصامتين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.