عوض الله نواي يكتب : *مبارك الكلمة الشاذة*
عوض الله نواي يكتب :
*مبارك الكلمة الشاذة*
في دفتر السياسة السودانية، هناك صفحات ممزقة لا أحد يريد أن يتذكرها، لأنها ببساطة لا تستحق التذكّر. ومبارك الفاضل واحد من تلك الصفحات التي كانت دائمًا بين السطور، لا تصنع حدثًا، بل تُلوّث الهامش.
سؤال نطرحه ونحن في خضمّ النزيف: ماذا يريد مبارك الفاضل من هذا الوطن الذي ما عادت له طاقة ليتحمّل مهرّجًا آخر؟
منذ أن عُيّن وزيرًا للداخلية في الثمانينيات، لم يعرف الرجل طريقًا غير المقاعد الوثيرة.
صعد على كتف الطائفة، ثم قفز إلى مركب الإسلاميين، ثم قال “أنا إصلاح وتجديد”، ثم تاجر بالمصالحة الوطنية، ثم عاد ليقول “أنا الأمة”، ثم عُيّن، ثم فُصل، ثم عاد، ثم تقلب كما يتقلب دقيق الذرة في مهب الريح.
لا مبدأ إلا المصلحة.
ولا اتجاه إلا حيث توجد كاميرا أو لجنة تنسيقية أو صفقة سياسية.
تاريخه؟
هو الرجل الذي لم يقل “لا” لأي سلطة، ولم يُرفض له طلب من أي انقلاب، ما دام في الأمر “منصب” و”تصريح سفر” و”سلفة بالدولار”.
هو من قال إن النفط سيُغير السودان، فغرق في لجان العقود.
وهو من قال “أرفض الفساد”، ثم جلس في مجلس وزراء تعفّنت منه الملفات.
وهو من نقد الإسلاميين أمام الصحافة، وسلّمهم يده حين فُتحت الأبواب الخلفية.
اليوم، مبارك يعود، لا ليعتذر، بل ليبارك!
يصدر بيانًا يرحّب باجتماع في واشنطن، اجتماع تتناوله الشعوب الحرة بريبة، وتقرأه الخرطوم كأنه صفعة جديدة على خدّ سيادتها.
يرى في تلك الاجتماعات “فرصة للسلام”!
ثم يُنصّب نفسه منسقًا دوليًا لتصفية قوات الدعم السريع، ودمجها، وتحييد الجيش عن الاقتصاد والسياسة…
جميل.
لكننا لم ننسَ أنك كنت من الذين طبّلوا لمن قالوا “الجيش إلى الثكنات”، وكنت في كل مرة تخرج منها من الباب، تعود من الشباك، حاملاً ملفك القديم ووجهك الجديد.
مبارك الفاضل ليس رجل دولة.
هو رجل مرحلة مؤقتة، يعيش على الهامش، ويتغذّى على الفوضى، ويتقن الرقص حين تكون الدولة على حافة الانهيار.
فلا تسألونا لماذا نغضب، إن رأينا من باع نفسه عشرات المرات، يعود ليُحدثنا عن الوطنية، والسلام، والعبور.
في هذا الوطن الجريح، نحتاج إلى أصوات تنزف صدقًا، لا إلى كلمات شاذة خرجت عن سياق التضحية، ثم تحاول الآن العودة في زحام الشهداء.
لو كان في السياسة قسطاس، لكان مبارك الفاضل أول من يُحاكم لا أول من يُستشار.