منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

بقلم: احمد حسن الفادني *قراءة تحليلية لخطاب رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس*

0

بقلم: احمد حسن الفادني

*قراءة تحليلية لخطاب رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس*

في محاولة جادة لتأسيس عهد سياسي واقتصادي جديد في السودان، وفي خضم مرحلة فارقة من تاريخ السودان، جاء خطاب رئيس الوزراء د. كامل إدريس بمضامين عميقة تعكس محاولة واعية لوضع البلاد على سكة الإصلاح السياسي والاقتصادي، بعد سنوات من التدهور المؤسسي، والفساد المنهجي، وترهل الدولة.

# تفكيك الدولة العميقة ومكافحة الفساد المؤسسي:
أبرز ما ورد في الخطاب هو إعلانه وجود قائمة طويلة من الهيئات والمفوضيات والأجهزة غير الضرورية التي وصفها بـ”الحكومات الموازية”، في إشارة واضحة إلى التورم البيروقراطي الذي ظل يخنق الدولة ويهدر الموارد ويعرقل فعالية الإدارة العامة للدولة. إن قرار الدمج أو الإلغاء لهذه الكيانات لا يعد فقط خطوة تقشفية، بل هو ضربة مباشرة لمراكز النفوذ داخل الدولة، ورسالة مفادها أن عهد ” حكومة الظل” و”السلطة بدون مساءلة” قد ولى.

# إنشاء هيئة النزاهة والشفافية:
وعد د. إدريس بإنشاء هيئة للنزاهة والشفافية ذات سلطات قانونية واسعة لمحاربة الفساد، ما يعد نقلة نوعية إن تم تنفيذه بعيدا عن الاعتبارات السياسية والتوازنات، فغياب الجهاز الرقابي القوي وفاعل هو ما مكن الفساد من أن يتغول على موارد الدولة ويضعف ثقة المواطن،لكن نجاح هذا التوجه مشروط بتمتع الهيئة بالاستقلال الكامل، وربطها مباشرة بمجلس الوزراء أو البرلمان، لا بأي جهات تنفيذية أو أمنية.

# إعادة بناء الجهاز التنفيذي على أساس الكفاءة لا المحاصصة:
وهذه من أبرز نقاط الخطاب إعلان رئيس الوزراء امتلاكه صلاحية اختيار كفاءات وطنية مستقلة لتشكيل الوزارة تدريجيا، وهي خطوة نوعية لفك الارتباط مع تقاليد المحاصصة الحزبية والجهوية التي أفقدت الحكومات السابقة فعاليتها. فتح الباب أمام الكفاءات لتقديم سيرهم الذاتية يمثل تغييرا جوهريا في الثقافة السياسية، حيث لم يسبق في الحكومات الانتقالية أو حتى الديمقراطية أن تم الإعلان عن تجنيد عام للكفاءات بهذه الصيغة. ذلك يترك الباب مفتوحا نحو قراءات تدل بتوجه الدولة نحو بناء حكومة تكنوقراط وطنية، تستند على الكفاءة والنزاهة وليس الولاء السياسي.

#ترسيخ دولة القانون واستقلال العدالة:
تأكيد رئيس الوزراء على التحرك العاجل لترسيخ دولة القانون وبناء نظام عدلي نزيه وشفاف، يحمل بعدا مزدوجا، فهو يطمئن الداخل بأن العدالة لن تظل رهينة التسييس والانتقائية، كما أنه يوجه رسالة للمجتمع الدولي بأن السودان يتجه نحو الحوكمة الرشيدة وسيادة القانون، مما يعزز فرص الدعم الدولي والاستثمار.

#الدلالات الاقتصادية العميقة للخطاب:
من الناحية الاقتصادية، فإن تفكيك البيروقراطية الحكومية المترهلة وإلغاء الأجهزة الزائدة، سيوفر أموالا طائلة كانت تهدر في تسيير أجهزة بلا مردود. كما أن محاربة الفساد واستجلاب الكفاءات، يمثلان حجر الأساس لأي إصلاح اقتصادي حقيقي، فالمشكلة في السودان ليست في غياب الموارد، بل في غياب الإدارة الرشيدة و الارادة القوية، إن أي برنامج إصلاح اقتصادي بدون مؤسسات نزيهة ومستقرة هو مجرد وهم.

#التحديات أمام خطاب النوايا:
رغم أن الخطاب حمل نبرة إصلاحية غير مسبوقة، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ. فشبكات المصالح القديمة لا تزال قوية، ومراكز النفوذ قد تقاوم التغيير، ناهيك عن الوضع الأمني والسياسي الهش الذي قد يعرقل خطوات الإصلاح. إضافة إلى ذلك، فإن الانتقال من الأقوال إلى الأفعال يتطلب إرادة سياسية فولاذية، ودعما شعبيا واسعا، وتحالفا مع المؤسسات السيادية الراسخة.

في خلاصة مختصرة ان خطاب الدكتور كامل إدريس يمكن وصفه بأنه إعلان نوايا جريء لإعادة تأسيس الدولة السودانية، على قاعدة الكفاءة والشفافية وسيادة القانون. لكنه في ذات الوقت اختبار حقيقي لقدرة الحكومة الانتقالية على مواجهة حكومة الظل ومراكز الفساد. نجاح هذا المشروع الوطني لا يتطلب فقط إرادة الحكومة، بل أيضا دعم قوى المجتمع المدني، والشباب، والقطاع الخاص، والمؤسسات النظامية.
يبقى السؤال: هل سيصمد هذا المشروع أمام الضغوط الداخلية والتحديات السياسية؟ أم أن السودان سيعود مرة أخرى إلى حلقة الفشل والإجهاض كما حدث في كل تجارب التحول السابقة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.