*غياب المؤسسات وتخبط الدولة من المستفيد ؟* بقلم د. إسماعيل الحكيم
*غياب المؤسسات وتخبط الدولة من المستفيد ؟*
بقلم د. إسماعيل الحكيم
_Elhakeem.1973@gmail.com_
إن قضية إيقاف الزميلة لينا يعقوب الإعلامي مديرة مكتب قناتي العربية والحدث بالخرطوم ، على خلفية تقرير استقصائي تناول مكان وحياة الرئيس السابق عمر البشير أثارت دهشة الوسط الإعلامي إذ لم يكن الحدث قرار إداري عابر، بقدر ما كان مؤشر خطير على عمق الأزمة التي تعيشها البلاد في إدارة شؤونها الإعلامية خاصة والمؤسسية عامة.
الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح ما الذي دفع الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام إلى التدخل المباشر في شأن يفترض أن يكون محكوماً بضوابط مهنية ومؤسسية واضحة؟ وأين مجلس الصحافة والمطبوعات – الجهة المنوط بها النظر في مثل هذه القضايا – من هذا المشهد المرتبك؟
لقد مضت عشرة أشهر كاملة منذ أن طرحت الحكومة وظيفة الأمين العام لمجلس الصحافة المطبوعات للتنافس، وأجريت المعاينات للمتقدمين قبل أربعة أشهر او تزيد ، غير أن المنصب ظل شاغراً حتى اللحظة. وهذا الفراغ الإداري الفاضح ترك الساحة الإعلامية دون مرجعية، وفتح الباب واسعاً أمام التدخلات السياسية والأمنية في ملفات مهنية بحتة. إنها سلفحائية لا تليق بدولة تتطلع إلى بناء مؤسسات راسخة ونهضة علمية بناءة بل لم نشهدها حتى في أكثر الدول تخلفاً واضطراباً.
إن غياب المجلس عن ممارسة دوره الطبيعي لم يضر فقط بالصحافة والصحفيين، بل وضع الدولة ذاتها في مواقف مرتبكة ومحرجة وفي مواجهات أقل ما توصف به عدم وجود الرؤى والإستراتيجيات ، إذ وجدت الدولة نفسها تتدخل في تفاصيل إدارية ومهنية كان يفترض أن تحسم عبر قنوات مؤسسية هذه مهمتها. فقضية الزميلة لينا يعقوب ليست سوى نموذج ماثل لهذا التخبط ، نموذج يكشف هشاشة البنية المؤسسية، ويفضح غياب الرؤية في إدارة المرحلة.
إن الصحافة ليست خصماً على الدولة ولا عدواً لها، وإنما هي عينها التي ترى بها، ولسانها الذي ينطق باسمها، وذاكرتها التي تحفظ انشطتها. وأي محاولة لتكميمها أو محاصرتها إنما هي محاولة لإطفاء الضوء في زمن العتمة. لكن الأخطر من ذلك أن تغيب المؤسسات وتنهار المرجعيات، فيصبح القرار رهين المزاج والارتجال لا القانون واللوائح.
إن ما جرى يجب أن يكون جرس إنذار، فإعادة الحياة لمجلس الصحافة والمطبوعات لم يعد أمراَ ثانوياً أو فرعاَ لا اصل له ، بل ضرورة وطنية ولازمة من لوازم الوقت . فالمؤسسات هي صمامات الأمان، وبدونها تتحول الدولة إلى غابة يتقدم فيها العسف على العدل، والارتجال على الحكمة. وما ينتظر وزارة الإعلام اكبر من تسعه أحرف عمود أو كلمات مقال..