منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*الاتحاد الأفريقي.. حين يُعاقَب السودان وتُستثنى تشاد؟* د. ياسر محجوب الحسين

0

*الاتحاد الأفريقي.. حين يُعاقَب السودان وتُستثنى تشاد؟*

 

د. ياسر محجوب الحسين

ياسر محجر

 

على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التقى رئيس الوزراء كامل إدريس برئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجيبوتي محمد علي يوسف، مجددا مطالبته بضرورة رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد. وأكد إدريس أن معالجة أزمات أي دولة عضو لا تتم بعزلها وإقصائها عن المنابر الأفريقية، بل بدمجها في صناعة الحلول، محذرا من أن استمرار التجميد لن يؤدي إلا إلى زيادة الهوة بين الخرطوم ومؤسسات الاتحاد.

منذ تشكيل الحكومة المدنية الجديدة برئاسة كامل قبل أكثر من ثلاثة أشهر، ترى الخرطوم أنها استوفت الشروط المفترضة لعودة مقعدها في الاتحاد الأفريقي. لكن المفوضية تتمسك بمعادلة صارمة: لا رفع للتجميد قبل إعادة النظام الدستوري بشكل كامل، ووقف الحرب الدائرة، وضمان مشاركة شاملة لكل القوى السياسية والعسكرية في مسار انتقالي يقود إلى دستور وانتخابات.

لوائح الاتحاد الأفريقي تنص على تجميد عضوية أي دولة تشهد “تغييرا غير دستوري للحكم”. غير أن التطبيق العملي يكشف عن تناقضات واضحة:

• السودان، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، غينيا كوناكري جُمِّدت عضويتهم مباشرة بعد انقلابات.

• تشاد، بالمقابل، شهدت انتقال السلطة في 2021 إلى نجل الرئيس الراحل إدريس ديبي عبر ترتيبات عسكرية بحتة، ومع ذلك بقيت عضويتها سارية.

• دول أخرى مثل أوغندا وغينيا الاستوائية تُدار بأنظمة مطولة تفتقر للتداول الديمقراطي، ولم تواجه أي تجميد.

هذا الانتقائية تضعف من صدقية المبدأ المعلن، وتوحي بأن الجغرافيا السياسية والمصالح الأمنية قد تتقدم على القواعد المؤسسية.

المفارقة الكبرى تكمن في تشاد: دولة لم تُجمّد رغم انتقالها العسكري للسلطة، بل هي اليوم منخرطة في الصراع السوداني نفسه. استمرار عضويتها الكاملة في الاتحاد الأفريقي، مقابل تعليق عضوية السودان، يثير أسئلة صعبة عن ازدواجية المعايير، ويمنح الانطباع بأن الاستثناءات تُمنح حسب ميزان القوى لا على أساس المبادئ. أو جنسية رئيس المفوضية تلعب دورا في انحيازه الصارخ لصالح موطنه!.

غير أن المشهد لا يتوقف عند هذا التناقض فحسب؛ إذ إن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي فاز بالمنصب في فبراير الماضي، الذي خلف التشادي موسى فكي، حيث أطلق بعد تسنمه منصبه مباشرة تصريحات قوية داعمة للسودان. ومع أنه قد لا يملك وحده صلاحية تجاوز شروط رفع التجميد، إلا أن سلفه ارتبط عهده بكثير من التجاوزات، ولا سيما تجاه موطنه تشاد المنخرطة حتى أخمص قدميها في الحرب السودانية، إمّا خدمةً لأطراف إقليمية ودولية، أو استغلالاً لظرف جارٍ قدم لها الكثير. وكأن حال السودان ينطبق عليه المثل: “حلالٌ على بلابله الدوح حرامٌ على الطير من كل جنس.”

ولا يزال السودان ينتظر من الرئيس الجديد أن يُحدث اختراقاً في علاقة الخرطوم بالاتحاد الأفريقي، وأن يعمل على تصحيح هذه الأوضاع الملتبسة. ويُضاف إلى ذلك أن ما اعتبره الاتحاد الأفريقي “انقلاباً” في أكتوبر 2022 لم يكن انقلاباً بالمعنى الكلاسيكي، إذ إن الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك كانت قد تفككت بفعل خلافات حاضنتها السياسية (الحرية والتغيير) وتصارع مكوناتها. حينها أعلن الجيش تدخله تحت شعار “تصحيح المسار”، فأقال حمدوك ثم أعاده ليشكل حكومة جديدة، غير أنه فشل في مهمته واستقال، تاركاً البلاد أمام فراغ سياسي متجدد.

إن بقاء السودان مجمدا خارج مؤسسات الاتحاد الأفريقي لا يوقف الحرب ولا يعزز الاستقرار. بالعكس، العزلة قد تدفعه إلى التشدد أو البحث عن مسارات بديلة خارج البيت الأفريقي. إذا كان شعار الاتحاد “حلول أفريقية لمشكلات أفريقيا”، فإن المنطقي أن يُرفع التجميد ويُعاد السودان إلى موقعه الطبيعي، ليكون جزءًا من الحل لا غائبًا عنه.
26/09/2025
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة): https://shorturl.at/YcqOh

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.