خبر وتحليل: عمار العركي *الخارجية: بـعــد الطــرد… هل تتعامــل بالمثــل؟*
خبر وتحليل: عمار العركي
*الخارجية: بـعــد الطــرد… هل تتعامــل بالمثــل؟*

* لم يكن قرار وزارة الخارجية باعتبار مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي ومديرة قسم العمليات في السودان شخصين غير مرغوب فيهما حدثًا إداريًا عابرًا أو ردّة فعل آنية على تقارير إنسانية منحازة، بل خطوة جديدة في معادلة الخرطوم مع المنظومة الأممية، تنقل العلاقة من مرحلة التحذير الدبلوماسي إلى مرحلة الفعل السيادي الحازم.
* منذ أن استدعت وزارة الخارجية في 22 أكتوبر المندوبة المقيمة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جيما مارتن، احتجاجًا على تقريرٍ أممي تضمن معلومات وقراءات وصفتها الحكومة بغير الدقيقة حول تسهيل العمليات الإنسانية، قدّمت المندوبة اعتذارًا وتعهدت بمراجعة ما ورد في التقرير. لكن الاستدعاء نفسه كان مؤشرًا على أن الخارجية لم تعد تتعامل مع التجاوزات الأممية بذات الصبر القديم أو الدبلوماسية التقليدية.
* شكّلت مجزرة الفاشر المروّعة والمشهودة، التي ارتكبتها المليشيا الإرهابية بحق المدنيين في ظل صمتٍ أممي مطبق وسقوطٍ أخلاقي في امتحان الإنسانية، نقطة التحول الأبرز في هذا المسار. فجاء قرار طرد ممثلي برنامج الغذاء العالمي بعد أيامٍ فقط من استدعاء المندوبة الأممية، ليحمل دلالتين واضحتين:
* الأولى، أن السودان قرر استعادة زمام المبادرة وضبط العلاقة مع المنظمات الدولية وفقًا لسيادته وقوانينه.
* والثانية، أن مرحلة المجاملات الدبلوماسية انتهت، وحلّت محلها سياسة الفعل تجاه أي تجاوز يمسّ السيادة أو يزيّف الواقع الإنساني.
* كانت مجزرة الفاشر نقطة التحول المفصلية في هذا المسار؛ امتحانًا للسيادة والإرادة السياسية والقانونية والدبلوماسية للدولة السودانية.
* لقد وضعت الفاشر المجتمع الدولي والمنظومة الأممية أمام اختبار الموقف والضمير، لكن الصمت الذي قوبلت به المجزرة كشف أن بعض الأصوات التي تتحدث عن الإنسانية تختار الصمت حين يكون القاتل معروفًا والضحية سودانية. أما السودان، فلم يعد يملك ترف الانتظار أو المجاملة، إذ لم تعد لغة الدبلوماسية وحدها كافية للدفاع عن كرامة شعبه وسيادته.
* السودان اليوم لا يُدافع عن نفسه فحسب، بل يُعلن أن سيادته خط أحمر، وأن كرامة شعبه وإنسانيته ليست بندًا في تقارير المنظمات.
*_خلاصـة القــول ومنتهــاه:_*
* في هذه المرحلة، على وزارة الخارجية أن تُثبت أن السودان اليوم لا يُلوّح بالسيادة كشعار، بل يمارسها كفعل، ليس في الملف الإنساني فحسب، بل في جميع الملفات، عبر تفعيل القاعدة الدبلوماسية المجمدة: “التعامــل بالمثـــل”، فـزمن التحذير قد انتهى، وبدأ زمن الدولة التي تعرف متى تصبر، ومتى تقرر، ومتى تنتصر .
