*السلام الذي لا يُستفتى فيه الشعب… سلامٌ ناقص الشرعية* بقلم د. إسماعيل الحكيم
*السلام الذي لا يُستفتى فيه الشعب… سلامٌ ناقص الشرعية*
بقلم د. إسماعيل الحكيم

*_Elhakeem.1973@gmail.com_*
إن الدعوة إلى السلام.. والعيش بأمن وأمان.. غاية كل مجتمع ومطمع كل نفس.. ولكنه لابد أن يكون سلاماً فضفاضاً يسع كل مشكل ويداوي كل جرح.. ففي الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، طرح الدكتور كامل إدريس، رئيس مجلس الوزراء السوداني، رؤيةً عن السلام، بدت في ظاهرها دعوةً للخروج من نفق الحرب الدائرة الآن ، لكنها في جوهرها أثارت أسئلةً مشروعة حول من يملك حق تعريف السلام؟ ومن يضع شروطه؟ ومن يحرسه؟
فالسلام، كما لمّح الخطاب، بدأ منفصلًا عن الإرادة الشعبية، وكأنما يُصاغ في الغرف المغلقة، ثم يُقدَّم للشعب السوداني جاهزاً باعتباره قدرًا لا خيارًا. والأخطر من ذلك، الإشارة إلى أن هذا السلام – إن تحقق – سيكون «محروسًا بقوى دولية»، وهي عبارة، مهما لُفَّت بالألفاظ الدبلوماسية وغُلفت بالعبارات المتلونة ، لا تبتعد كثيرًا عن مضمون البند السابع، ولو جاء هذه المرة بعباءة ناعمة وبمفردات أقل صراحة.
إن أي سلامٍ يُفرض علينا أهل السودان من الخارج، أو يُحمى بإرادة غير إرادة أهله، هو سلامٌ هش، قابل للانكسار عند أول اختبار، لأن السلام الحقيقي لا يولد من فوهات البنادق الدولية، ولا من قرارات مجلس الأمن، بل يولد من ضمير الشعوب.
السلام الذي ينشده السودانيون ليس اتفاق نخبة، ولا صفقة ساسة، ولا تسوية توازنات إقليمية ودولية. السلام الذي نريده هو ذاك الذي يجتمع عليه أهل السودان جميعًا، دون إقصاء أو استثناء، سلام يكتب بنوده السودانيون بأيديهم، ويمهرونه بدموعهم قبل أقلامهم.
سلامٌ يخرج من عمق القرى والفرقان، من أفواه الذين شُرِّدوا، وعُذِّبوا، وقُتل أحباؤهم.
من المزارعين الذين احترقت حقولهم، والرعاة الذين ضاعت مواشيهم،
من المعدّنين والدهابة، من الأرامل، والمساكين، والفقراء،
من الساسة والعسكريين، من المغتربين والموفدين،
ومن رجالات الطرق الصوفية، أهل القوم، ومن شيوخ الإدارة الأهلية، حراس الحكمة والتوازن الاجتماعي.
ذلك هو السلام الذي ينبت صلبًا منيعاً محصناً ، لا سلامًا هشًّا مستعارًا،
سلامٌ يجلب العزة والمنعة، لا الوصاية والارتهان،
سلامٌ يقوم على العدل والإنصاف، لا على المحاصصات والتنازلات المريبة.
سلامٌ توقعه أيادٍ طاهرة، لم يلوثها دمٌ حرام، ولم تتلطخ بمالٍ عام،
وحين نتواثق عليه جميعًا، وننضجه عهدًا وميثاقًا،
تحرسه العناية الإلهية، لا قوات الأمم المتحدة،
ويصونه وعي الشعب، لا تقارير المبعوثين.
أما السلام الذي لا يسمع صوت الشعب، ولا يعترف بآلامه، ولا يستأذنه في مستقبله، فذلك – مهما حسنت نواياه – ليس سلام السودان.
