منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

الرفيع بشير الشفيع يكتب : عن أضرار نقل العاصمة

0

الرفيع بشير الشفيع يكتب : عن أضرار نقل العاصمة.

(إذا أردت أن تنهي حضارة ما ، فأنهي عاصمتها وشتت مركزيتها).
____________________

(١)

نلاحظ في الآونة الأخيرة ، شطط بعض الأقلام ومطالبتها بتوزيع مؤسسات الدولة (رئاسات المؤسسات) ومهامها إلى بعض مدن السودان ، كما نلاحظ ، الترويج لإحدى المدن السودانية الهامة ( بورتسودان)، كعاصمة “مؤقتة”، وفي ذلك أضرار كبيرة جدا وبداية تفتيت الدولة السودانية ، ليس لأن بورتسودان لا تستحق، لكن لأسباب جغرافية، وديمغرافية، وإدارية، وسياسية واقتصادية وغيرها.

ففي تاريخنا السوداني الوسيط ، انتهت مملكة علوة، كآخر دويلة مسيحية ، بعد خراب سوبا ، الذي يشبه خراب الخرطوم الآن ، وأوجه الشبه كثيرة جدا منها القبلي والجهوي ومنها الغبن المناطقي والإثني، ومنها الحضاري ، ففي الوقت الذي كانت فيه سوبا تمثل لؤلؤة حضارية فريدة ، وكانت محصلة حضارة مدنية ، كوشية ، نوبية ، مثلت الخرطوم قلعة من قلاع الحضارة والمدنية وصلت ذروة في الرفاه والدعة والجمال ، حتى في أيام الإستعمار البريطاني، الذي إذا قايسناه مع الغزو الحالي ، فالأول كان غزوة مدنية ، وحضارة متقدمة على الخرطوم التي كانت حينها تمثل قرية مقابل الحضارة البريطانية ، ونهضت الخرطوم حضاريا بسبب غلبة الحضارة البريطانية، ثم ما لبثبت أن تدحرجت تلك الحضارة والمدنية ، بعد أن تم غزو الخرطوم اجتماعيا بالأطراف الأكثر بداوة، وطغت ثقافة البداوة على تلك المدنية الغربية في الخرطوم، ودخلت مأساتها الأخيرة ، بجيوش الاطراف والمناطق وحدث ما حدث من دمار بواسطة تصادم الثقافات المتباينة، الأفريقية ضد العربية ، والبداوية ضد الحضارية المكتسبة، والأيديولوجية العالمية الحديثة (المدنية المكتسبة، ضد المحلية الموروثة).

(٢)
ومثل ما يحدث للدولة السودانية، حدث للدولة الأموية ، والدولة العباسية على يد التتار ، وعلى الأندلس على يد الغرب ، وحدث لمملكة سنار ” العربية ، الإسلامية” وحدث تباعا لقري ( في الحلفايا والعيلفون “ج”) ، وللمسبعات ( وعاصمتها الأبيض )، وبدرجات متفاوتة، فقد تم تدمير العواصم ، أو نقلها أو تبديد وحدتها وتشتيت ( لُحمتها) الإدارية والإثنية والحضارية.

(٣)
سياسيا :-
كان وما زال هدف مشروع ” السودان ، الأفريقي، العلماني) هو تفتيت المركز ( الخرطوم)، وهو من أهم أهداف مشروع السودان الجديد ، الذي يحمل في طياته ، ( أفرقة السودان)، يحمل تفتيت المركز بمفهوم أنه مركزية للغلبة العربية والثقافة الإسلامية،( منذ أن أطلق مصطلح مثلث حمدي)، وما تم من تشفي وتدمير كامل بعد ٢٠١٨ ، هو شيء مقصود في حد ذاته ، “لدرفسة المركز” بتفكيك مؤسسات الدولة ( التعليم والإعلام والصحة ، والمؤسسات الدستورية، وكل الشبكة الإدارية وغيرها)، وانهاء مؤسسية الدولة وقوامها الإداري والسياسي حتى وصلت الخرطوم لحالة ( اللادولة، واللا سيادة) التي سعت اليها الحكومات الانتقالية بعد ديسمبر ٢٠١٨م، وهذا كان واحدا من أهداف نقل الحرب إلى المركز ، (بعد ٢٠١١م)، والمركز وحده دون غيره من بقية مدن السودان ، بعد فصل جنوب السودان.

والأضرار التي ستتسبب في انهاء الدولة السودانية ، كدولة قومية، في شكلها الحديث ، تتمثل في الآتي:-

إداريا :
إنهاء مركز ومركزية الدولة التي كانت مركزية ” رئاسة” مؤسساتها، تمثل تكامل وسلاسة الحركة المؤسسية ، حراكا إداريا سلسا وسهلا ، تجتمع فيه كل مقومات الدولة وإدارتها، وما يحدث الآن يمثل هدفا من أهداف مصطلح ومبررات “التهميش” رغم أن الخرطوم بسطت بما فيه الكفاية ، التنمية الأفقية في كل مناطق السودان ، ولكن لأن مشروع تفتيت المركز لتفتيت السودان كان القصد منه ، قطع رأس الوطن وجعله يتيته بلا رأس ، وكان هذا واحدا من مخطط التفتيت.

جغرافيا :
تمثل الخرطوم منطقة وسطى بين كل مناطق السودان، وتم عمل شبكة متكاملة ودائرية تصل كل المناطق بالعاصمة.

ديمغرافيا:
تمثل الخرطوم ، بوتقة لهوية السودان ، فهي تمثل السودان المصغر بسبب سهولة الوصول إليه والمصالح الاجتماعية ، والادارية المشتركة.

اقتصاديا:
الإعمار الذي حدث في الخرطوم لا يمكن حصره اقتصاديا ، ونقلها يمثل عبئا جديدا لا يستطيع السودان إعمار أي مدنية أخرى تصلح له كعاصمة.

معنويا:
تمثل الخرطوم وحدة ثقافية، ودينية وفنية ، ووطنية وملتقى وجداني لكل أهل السودان ، وتشتيتها(بسبب مشروع يا فيها يا نطفيها)، يمثل شتاتا لثقافة الشعب السوداني ووجدانه الجمعي وعزته وكرامته وبعثرة ثقافته.

أمنيا : “إذا تم نقل العاصمة لبورتسودان مثلا”، فستكون على مرمى حجر من التشابكات السياسية العالمية المتصارعة في أمن البحر الأحمر، وسيضعف اجتماع أهل السودان لحمايتها ، وتشتيت اللُحمة المركزية ، التي تمثلت في تلاحم الشعب مع جيشه ، وسوف يحدث تشتيت جديد لمهام القوات الأمنية لبعد الأطراف المتوقع انفصالها.

إذا تم نقل العاصمة إلى أي مدنية أخرى في السودان ، فهذه هي نهاية دولة السودان الحديثة.

( مهمتنا أن نقرع الجرس قبل فوات الأوان)

والله أعلم

الرفيع بشير الشفيع
٨ سبتمبر ٢٠٢٣م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.