*مصعب بريــر* يكتب: *دعوة للتسامح من اجل الوطن ..!*
#البعد_الاخر
– “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. هل من دعوة للتسامح أوضح من هذه التي أطلقها نبي الإسلام محمد «ص»، حين دخل مكة المكرمة فاتحاً منتصراً، وقد امتلأت قلوب أهل مكة هلعا ورعبا مما سيفعله بهم بعد ان ملك أمرهم، وهم الذين اتهموه باتهامات باطلة وطردوه، وضيقوا الخناق على أتباعه، وعلى الرغم من كل ذلك عفا عنهم، وأبَى الانتقام والثأر وردّ الإساءة بالإساءة، في تعبير عن سماحة الإسلام ..
– كما امتلأت التعاليم المسيحية بقيم المحبة والتسامح والعفو، وكان السيد المسيح يُعلّم بأن لا نقابل الشر بمثله بل “من لطمك على خدك الأيمن” وهو فعل الشر، “فاعرض له الآخر”، بمعنى أظهر له الجانب الاخر من الشر وهو التسامح والعفو والمحبة، لأن فيهم علاجا للتعصب والكراهية، وسمة من سمات الأقوياء وأصحاب النفوس السامية والأخلاق الرفيعة، حيث ان ألتسامح والرحمة والعفو أعلى كثيرا من مسألة الكرامة .. بحسب المقال القيم للاستاذ سند ساحلية ..
– ان التسامح مهارة من مهارات الحياة والمجتمعات المتحضرة، وقيمة تبادلية وتقابلية للحؤول دون تحول الاختلافات والتباينات الى صراع عنيف بين مختلف الفئات في المجتمع، وتمترس كل فرد خلف قضايا يعتبرها بمنظوره ثوابت ومسلمات، فينغلق على نفسه رافضا الانفتاح وتقبّل الآخر، الأمر الذي يهدد مفهوم العيش المشترك، ويسقط خيار البحث في القواسم المشتركة، ويعزز التعصب والعنصرية والعدائية لكل ما هو مختلف ..
– والتسامح بمفهومه الواسع، يعني الانفتاح على التنوع والتعدد بمختلف أشكاله، ويمكن تطبيقه على جوانب عدة، كالتسامح العرقي والديني، والتسامح المبني على النوع الاجتماعي، والتسامح السياسي، وغيرها ..
– وفي الحالة السودانية التي تعيش أحلك الظروف وأصعبها ذاتيا وموضوعيا، نحن أحوج ما نكون الى التسامح والانفتاح على الآخر من ابناء جلدتنا وشعبنا، حيث تزداد التحديات على كل الأصعدة السياسية وانغلاق أفق التوافق الوطنى، والأوضاع الاقتصادية المتردية، واستمرار الانقسام السياسى الذى افضى للتمرد العسكرى للدعم السريع المحلول، الذي يؤثر ويلقي بثقل ظله الان على كافة مناحي الحياة السودانية، والفشل المتكرر في التوصل الى توافق، وبلورة رؤية وطنية شامله سياسية، واقتصادية واجتماعية خلال أربعة أعوام من عمر ثورة ديسمبر، في كيفية العبور بالمرحلة الانتقالية الى ممارسة ديمقراطية حقيقيه لا تقصى احدا الا بأمر الشعب السودانى عبر صناديق الاقتراع ..
– إن من أهم المخاطر التي تواجه الفترة الانتقالية الان هى حالة الانقسام والفرقة والتجاذبات السياسية التي تغلق باب الوفاق والوحدة وإمكانية التوصل الى برنامج مشترك يوحد طاقات وإمكانيات شعبنا، ويضبط إيقاع كل الفرقاء السياسيين وكافة مكونات المجتمع السودانى المختلفة، للخروج من حالة الضعف والتراجع في قضايا عدة داخلية وخارجية، ناهيك عن تراجع وضعف التأثير السودانى الإقليمي والدولي الكبير، وتراجع مكانة السودان بشكل عام، جراء تمترس فئة قليلة باختطاف القرار السياسى وادعاء تمثيل الشعب السودانى دون تفويض، متكئة على اسناد خارجى لاهم له سوى تمرير اجنداته الهدامة، حيث أن ما تشهده بلادنا من تحديات غير مسبوقة تقتضي مغادرة محطة فرض الرؤى الاحادية الضيقة فورا وبدون تردد ومماطلة وتسويف، نحو تحقيق توافق وطني شامل تتجاوز فيه المكونات السياسية والاهلية المدنية بمختلف توجهاتها الخلافات، وتواجه بجبهة وطنية متحدة التحديات المصيرية الماثلة التى كادت ان تطيح بالوطن ككل ..
– ان الهدف الاستراتيجى الرئيسي للفترة الانتقالية يجب أن ينصب حول كيفية اجراء الانتخابات وتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات معيشة الناس التى اضحت ضنكة بفعل الصراع الصفرى بين مكونات الاحزاب السياسية، ومواجهة تداعيات حروب الجيل السادس التى يكتوى الوطن والمواطن بنيرانها الان، لذلك يجب تجاوز الخلافات والاختلافات الداخلية باتجاه التسامح والحوار الداخلي، ليس فقط بين الفرقاء السياسيين، بل ليشمل كافة مكونات المجتمع السودانى على اختلافها، بهدف انجاز حقوق الشعب السودانى واحلامه المشروعة فى الاستقرار والأمن والعيش الكريم فضلا عن تعمير ما دمرته الحرب اللعينة ..
– ان بنيتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، بنية تزخر بالتنوع والتعدد، الا أننا فشلنا في إدارة هذا التنوع واستثماره باعتباره ثروة وقيمة مضافة، وتحول من نعمة ومصدر قوة وغنى الى نقمة وضعف وانقسام والغاء للآخر .. ان حماية التنوع تشكل مسؤولية وتحديا مصيريا يفرض نفسه على الجميع، وخاصة أصحاب القرار والفكر وحركات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بمختلف أطيافها وأيديولوجياتها، للتنبيه بخطورة هذه المسألة وتداعياتها الكارثية على مجمل مناحي حياتنا عامة وعلى مستقبل وشكل دولتنا ومصيرنا المشترك، كخطوة نحو احتوائها ومعالجتها ..
– ما أحوجنا الى الحكم بموضوعية وعقلانية من دون انحياز أو تعصب، والانفتاح على أفكار وتصورات واجتهادات بعضنا البعض، بحيث نكرس حق الاختلاف على ان لا يكون مجبولا على الكراهية، فتكريس ثقافة التسامح يضع الجميع مسؤولين أمام استحقاقات المرحلة ومصير شعبنا، بهدف تصويب أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والتي تتطلب جهدا وعملا دؤوبا مشتركا ..
– ان مرحلة الانتقال الديمقراطى وبناء الدولة الوطنية يحتم علينا توحيد المجتمع، ودمج الجميع في الكيان الوطني المشترك والانفتاح على فكر واجتهادات الآخرين وطمس الخلافات الفرعية، في خدمة أهداف النضال من أجل الحرية ، السلام والعدالة وبناء الدولة الوطنية الحديثة لكافة مكونات شعبنا العظيم ..
*بعد اخير :*
لقد أصبح العالم “قرية صغيرة” يتبادلون فيها العلم والثقافة والمعارف والأفكار، ويعقدون الاتفاقيات والشراكات والتكتلات لما فيه مستقبل بلدانهم وشعوبهم وبما يحقق مصالحهم .. فكيف لا نستطيع نحن أبناء الوطن والمصير الواحد الانفتاح على أفكار بعضنا البعض، والحوار والاتفاق على قضايا مصيرية تهمنا جميعا وتحدد مستقبل اجيالنا؟ وإن كنا جميعا نتشارك المعاناة والظلم من سياسات الاقصاء، ونتشارك الطموح في الحرية، السلام والعدالة، علينا إذن أن ندرك بأن الشخصية الوطنية السودانية هي شخصية تعددية متسامحة، وقد تشكلت عبر التاريخ من مكونات دينية واجتماعية مختلفة مما ساهم في صمودها وإغنائها وإثرائها عبر التاريخ .. فلا مجال هنا لفرض سيطرة فئة على اخرى .. و لا سبيل لتحقيق ذلك الا بقبول بعضنا بعضا .. عبر التوافق على الحد الادنى من ممسكات الوحدة الوطنية والمصير المشترك .. والا فقدنا الوطن الذى نتصارع حول كراسى حكمه الان ..
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الجمعة (8 سبتمبر 2023م)
[email protected]