عمار العركى يكتب: البرهان خطاب الخرطوم في حضرة الخصوم
هذا انسب عنوان لوصف و تحليل خطاب السيد الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس السُودان و قائد جيشه ، فنادراً ما يجتمع كل الخصوم المعتدين ، في قاعة واحدة مجبرين على الإستماع و الإصغاء التام لتورية و تعريض خصيمهم الذب إعتدوا عليه، فأربك حسابات الجميع بما فيهم الدولة المستضيفة و الوسيطة “السعودية” ، مستخدماً تعريض إياك أعني يا جار السؤ ( إثيوبيا ، كينيا ، ، إفريقيا الوسطى ، تشاد ، ليبيا) أما الجارة الإقليمية الحاضرة الغائبة (الإمارات) لم تنجو من تعريض و تلميح أشعرها بالقلق و التوتر سنوضحه فى خلاصة قولنا.
• بإعادة قراءة فعاليات القمة من خطاب إفتتاحي ، و تصريحات رؤساء الدول ، و مخرجات لقاء البرهان و محمد بن سلمان ، و البيان الختامى و توصياته نستطيع أن نقول بأنها قمة من أجل تعزيز نفوذ و مصالح السعودية في المحيط العربي و الإفريقي بإمتياز .
• و هذا ما فطن له البرهان في خطابه، فأدلى بما يُشبع الرغبات السعودية و يبعث فيها الإطمئنان حيال “البرهان” المخادع و المراوغ الذي إبتدر مقدمة خطابه مغازلاً و ملفتاً إنتباه السعودية حين قال (شكرنا و عظيم إمتناننا للمملكة العربية السعودية على سعيها الدؤوب لخلق شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة و خاصة الدول الإفريقية بما يعود بالنفع و الإستقرار على الجميع و يدعم الأمن و الرفاه لشعوبنا و كل ذلك التعاون و الترابط سيعزز فرص الإستقرار السياسي و الاقتصادي في المنطقة) .
• الجزئية أعلاه كانت بمثابة قنص “عصفورين بحجر” نحو السعودية و الإمارات و الخصوم الحضور بأن السعودية محل ثقة و فوق لكل شبهات التواطؤ و التأمر ، و السودان يميز و يفرق بين(السعودية و الإمارات) رغم شراكتهم و تحالفهم الإستراتيجي .
• بعدها إنتقل البرهان لحديث القوة و الثقة و التموضع الإقليمي مروجاً و مسوقاً لقدرات و مقدرات و مميزات السُودان و الدور الإقليمي الذي يمكن أن يقوم به ريثما إستقرت أوضاعه الداخلية و حقق إستقراره ، حيث قال البرهان (سيظل السودان داعماً قوياً للشراكة السعودية الأفريقية مستفيداً من موقعه الجغرافي الرابط بين المملكة و قارة أفريقيا و إذ يرحب بإنطلاق هذه الشراكة سيعمل مع الجميع لدفعها حتى نراها واقعاً ينعم الجميع بفوائده أمناً و إستقراراً و رفاه) .
• بعد ذلك دلف البرهان إلى تقديم تنوير و سرد دقيق و متسلسل لما تعرض له السُودان جراء الحرب التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع بتمردها معدداً أوجه من الخراب و الدمار و الإنتهاكات الحقوقية الإنسانية و المادية .
• تحدث “البرهان” عن الدعم الخارجي للمليشيا واضعاً النقاط فوق الحروف مصرحاً بمسميات و هُويات جنسيات المرتزقة المجرمين القادمين من دول الجوار و الإقليم و العالم الذين إستعانت بهم الميلشا و سمى ( ليبيا ، سوريا ، اليمن ، جنوب السودان ، تشاد ، مالي ، النيجر ، إفريقيا الوسطى ، و دولاً أُخرى من العالم ) ، موضحا هدف التهجبر المتعمد لسكان السودان الاصليين من اجل التغيير الديموغرافي و إحلال شتات قوميات لدول وسط و غرب إفريقيا .
• واصل البرهان تعريضه و الحديث بقوة من يملك الأدلة و الإثباتات لما يقول أن الميلشيات الإرهابية المساندة بكل أسف من بعض دول المحيط الإقليمي و الدولي مما يجعلهم شركاء في المآسي و الإنتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الشعب السوداني و في سابقة لم تحدث من قبل أن تتحدث بعض الدول و المنظمات الإقليمية و الدولية عن مساواة بين الدولة و قوة تمردت عليها و مارســـت ما ذكر من جرائـــم حرب و جرائم ضد الإنسانية .
• كشف “البرهان” و حتى آخر لحظة عن إتباع إسلوب التفاوض و القبول بكل مبادرات و وساطات الحل وضعاً الجميع في محك و حرج وصف ما يتعرض له السودان “بالإرهاب” و تصنيف المتمردين و الميلشيات بالجماعات الإرهابية ، و مساءلة و إدانة من يتعاون معها و يدعمها و قبل أن يختم تقدم بالشكر لمنبر جدة و دول الحوار و خصص الشكر للملكة العربية السعودية على حرصها المستمر على أمن السودان و الولايات المتحدة و الإيقاد و جوار السودان و كل من قدم مبادرة لإيقاف الحرب .
• كما لم ينسى القضية المحورية “غزة” و التي تأجلت قمتها بالسعودية التي كان من المفترض تزامنها مع هذه القمة قائلاً (يتابع العالم ون تابع بقلق ما يجري في قطاع غزة من تدمير و قتل و تهجير فأعلن تضامن السودان الكامل مع الشعب الفلسطيني و حقه في إقامة دولته المشروعة على حدود يونيو 1967 م و شدد على أن يتوقف العدوان على غزة وأهلها فوراً و أن يسمح لهم بالحصول على حقوقهم في الحياة الكريمة) .
• خلاصة القول ومنتهاه:
• خطاب الخرطوم، خلط كل أوارق الخصوم وضرب الجميع بعضهم البعض بما فيهم السعودية مستغلاً صراع النفوذ المحموم مع “الإمارات” في قيادة المنطقة ،مُقدم للسعودية عرض لصفقة شراكة إستراتيجية تحقق مصالحها بيده و ليس بيد عمرو العداء و التآمر .
• بدورها تكون “الإمارات” في حالة قلق و توتر من تطورات خصماً عليها و بوادر لتقارب “سعودي سوداني” و “سعودي إفريقي” نحو حليفتها “اللدودة” الإمارات ، و إذا تحقق ذلك يعني سحب البساط منها تماماً وتجريدها ، فبالتالى نتوقع تحركات إماراتية مكثفة للإفشال و الإعاقة .
• أما خصوم الجوار الحضور أو الغائب فهم “الخاسر الأكبر ” سيشعرون بمدى خسارتهم و تسرعهم بقبول معاداة السودان مقابل “نعمة وضع آمن لا يدوم” ، فماذا هم فاعلون أمام السودان إن إستطاع التقارب مع السعودية و تحييدها مستغلاً نفوذها المؤثر إقليمياً و دولياً في تصفية حساباته مع الإمارات و المتمردين وا لدول المساندة و المؤيدة لهم .