سناء حمد تكتب: *على أعتاب الفجر*
إنما تكون المِحن لتمحيص الناس ، واختبار أهل الفكرة ، وفي ظلها هناك ظواهر طبيعيّة ومتكررة ، فلا ينبغي أن يجزع لها الناس ، فحتماً سيضعفُ البعض ويغادر السِّرب ..فلا تفتنوهم ، وسيدير البعض وجهه فلا تعيبوهم ، وسيقلبِ لنا البعض ظهر المِجّن فاحفظوهم ، البعض ظرفه وتقديره كحاطب إبن ابي بلتعة رضي الله عنه ..لديه من يخشى عليهم ، وبعضهم إنما أتى به الخوف أو الطمع إليكم ..وعلى ساقي ذات الخوف والطمع سيحلون بدار صاحب السلطة الحديد ، أما من ثبت فلا تعجبنّه نفسه ، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء .. فمن مضى عنكم فقد خفّف عنكم ، ومن صمد بينكم وصبر ولو قلّ ..فبركته أكبر .. ” إن يكن منكم مائةٌ صابرة يغلبوا مائتين …” فالقوة في الرأي والمواقف ليست بالكثرة .
أن أمر المؤمن كله خير والمِنحُ تأتي طيّ المِحن فلا ” تحسبوه شراً لكم بل هو خيرا لكم “. دعونا نفهم بوضوح ونتقبل بوعيّ أنه انطوت صفحةٌ في كتاب الإسلاميين السياسي، ومرحلة من مراحلهم السياسيّة ، نقطة سطر جديد ، ابدأوا صفحةً جديدة فيها إعتبارٌ من الأخطاء ، ودروس من المسيرة، ولتكن اول جملتين في الصفحة الجديدة ،
* اننا تيار اسلامي معتدل صاحب فكرة وتقدير سياسي وقضية نؤمن بها ونبذل في سبيلها الغالي والنفيس ، ولا نُلزم بها غيرنا ولا نفرضُ قناعتنا وتقديراتنا على الآخرين .
* الانتماء لهذا الوطن مقدمٌ عندنا على اي انتماء ، وسنعمل مع الآخرين على بنائه والحفاظ عليه آمناً مستقلاً مستقراً .
هناك حاجة مُلحة للتسامي فوق التلاؤم والتلاوم ، فمن الأهمية بمكان الاعتراف بالأخطاء وجوانب القصور ، ليس بغرض تجريم البعض ولا التنصل من المسئوليات لكن لنرفع هاديات مضيئة في طريق المستقبل ، تبدأ بتجنب مواقع الذّلل والإخفاق ، ولتعزيز نقاط القوة وتطويرها .
إن الأمم الناجحة ومدارس التفكير الرائدة والقائدة هي التي تتعلم من اخطائها وتحولها أسباباً وروافع للنجاح ، والعاقل المتدبِّر يتجنّب في مسيره المستبصرِ مواقع الوحل او الرمال المتحركة ، ويمضي في طريقه بعيون مفتوحة وذهن حاضر وعزم صادق.
إنتم من سيحدد دوركم المستقبلي ، طبيعته واهدافه ووسائله ، وليس غيركم ، وبدون اعباء الدولة ودون زينة السلطة ومعاركها …دوركم اسهل في التركيز على اعادة البناء الداخلي وفي بناء كيان سياسي راشد يُعبِّر تحت ضوء الشمس عنكم وعن توجهاتكم وأفكاركم …. اجعلوا همّتكم عالية ..فالتحديات التي تواجهكم وستواجهكم كبيرة ، كونوا كِبارا فلديكم تجربة ناضجة بخيرها وشرها ، هي افضل مما لدى الآخرين ، كونوا حزباً او اثنين ليس بالضرورة ان تتحدوا لتكونوا جسماً كبيراً ثقيل الحركة ولا ان تتجمعوا في فناءٍ واحد ، لكن المهم ان تتفقوا على الغايات النبيلة ، وان تكون لكم رؤية أصيلة وواعية حول ثوابت محددة وقيم بعينها كالقضايا العليا الوطنية ، وقيمة العدالة والحرية والهوية الدينية والثقافية والتداول السلمي للسلطة ، ومن الطبيعي أن تختلف تقديراتكم في التفاصيل ، هذا ما بنى الأحزاب في اوربا ومن بعدها العالم …ان تعملوا سوياً على ما اتفقتم عليه وان يعذر بعضكم بعضاً فيما اختلفتم فيه ، هذا هو السبيل للنهضة بالأمم والدول والكيانات .
ان الوعي مهم للغاية بانّ لهذه البلاد منذ استقلالها تحدّيات كبيرة ، ظلت وما زالت تحتاج لتعزيز بنيانها وتعظيم دورها وتقوية تماسكها الهش ، ولذلك وفي هذا الإطار علينا ان نعلم يقيناً أن دور المعارضة البناءة لا يقل عن دور الحكومة ، وعلينا ان نميّز بوضوح بين معارضة الحُكومة والسّلطة ومعارضة الدولة الوطن ، وان لا نُكرّر سلوكاً لم نكن نرضاه من المعارضة السودانية المستمر منذ ما قبل استقلال السودان ، و التي كانت دوماً تضرب في جسد الوطن واهله ، لاضعاف الحكومة ..
علينا أن نعمل على تقوية الأحزاب جميعها بلا استثناء وأن نحثها على التماسك في كيانات كبيرة، فإنّ ما قد أضعف الانقاذ والممارسة السياسية فيها هو اضعافها للأحزاب المعارضة وبعثرتها وكان هذا خطأً فادحاً رعاه البعض بقصر نظر كبير !!، ومن البديهيّات المعلومة ان ضُعف الحياة الحزبية يؤدي مباشرة الى تقويّة نفوذ القبليّة ، علينا تعزيز ثقة الأحزاب في نفسها ، فالحزب هو ارقى شكل من أشكال الدولة المدنية ، فالدول حين تقوم ، تعتمد على العشائر ثم تتقدم فتستند على القبائل ثم تتطور حين تظهر الطوائف ، ولكن حينما تظهر الأفكار وتكّون التيارات الفكريّة والسياسيّة ، حينها تولد الأحزاب …حيث يجتمع الناس فيها على فكرة او مصلحة بغض النظر عن قبائلهم ومناطقهم وعندها تستقر الدولة ، إن الأحزاب السياسية القوية عنصر قوة للمجتمع وللدولة …فلا تضعفوا الأحزاب ..
علينا ان نحافظ مع الآخرين على مؤسسات الدولة ، حتى لو أُخرج منها من ينتمون لنا ، فمؤسسات الدولة عنصر استقرار ، واضعافها ضرره بالغ ، فهو بداية لتفكك الدولة ، وهذه المؤسسات على ضعفها والملاحظات التي عليها قديمة وعريقة وتصلح لتأسيس اي بناء مستقبلي عليها ، وإقصاء المنتمين للتيار الإسلامي منها ليس مسوغاً لإضعافها ، فالمؤسسة اهم من الفرد ،
أن الذين شاركوا في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الحكم وأنهت مرحلة الانقاذ ، كانوا من كُلّ فئات الشعب السوداني ، وفيهم نسبة كبيرة من ابناء الإسلاميين وأهاليهم ، وبينهم شباب وطني غير منتمي سياسياً ، أغضبته اخطاء الحكومة السابقة ، وأنضجته في ذات الوقت ، لم يخرج ضد الإسلام ولا الأفكار المستمدة من الدين ، ولكنه خرج ضد فساد سياسيّ ومهنيّ واداري واخطاء قاتلة في ادارة الدولة ، أتت من طول أمد الحكم وسقوط البعض في فتنة السلطة . هولاء الشباب يستحقون الاحترام وأن يُفسح لهم ، وهم يملكون من القدرات والحماس ما سيجعلهم ينظمِّون أنفسهم في كيانات ولن يكونوا اقل منّا حرصاً على الإسلام والوطن …ورغم ما يظهر الان فإن الزبد سيذهب ..وهولاء الشباب الواعي سيبقى ويظهر .
أن كل تغييرٍ في بداياته يصحبه عنف وله ضحايا ، ولكل نظام في بداياته حماس طاغٍ لتأمين نفسه ومكتسباته ، ستكونون النسبة الغالبة من هولاء الضحايا ، انا لا أبحث عن اعذار لما تم أو سيتم ، ولكن بالنظر الى التجارب البشرية والى تجربة الإسلاميين أنفسهم ، اتفهم ما حدث وسيحدث ..وان تتفهم أمراً لا يعني أن تتقبله !! .
التحدي الحقيقي ان يكون للإسلاميين دور إيجابي في عبور الوطن لهذه المرحلة الحرجة من تاريخيه ، والإسهام مع الآخرين على الأ تنزلق البلد الى مرحلة الفوضى …