منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

حسين خوجلي يكتب: ود مدني بين شوقي وحافظ وكرف .. وللحكاية بقية

0

حسين خوجلي يكتب:

ود مدني بين شوقي وحافظ وكرف .. وللحكاية بقية

مثلما حجب المتنبي الفحول من معاصريه فكذلك فعل شوقي بمجايليه، وخروجاً على المعتاد فقد حفظ ديوان الشعر العربي شاعرية وموهبة العبقري حافظ ابراهيم وهو ينافس أمير الشعراء بل يبذه في كثير من القصائد.
ومن حكايات الشعر الموثقه أن حافظ عندما سمع بقدوم شوقي من المنفى أعد لاستقباله رائعته:

وَرَدَ الكِنانَةَ عَبقَرِيُّ زَمانِهِ
فَتَنَظَّري يا مِصرُ سِحرَ بَيانِهِ
وَأَتى الحُسانُ فَهَنِّئوا مُلكَ النُهى
بِقِيامِ دَولَتِهِ وَعَودِ حُسانِهِ
النيلُ قَد أَلقى إِلَيهِ بِسَمعِهِ
وَالماءُ أَمسَكَ فيهِ عَن جَرَيانِهِ
وَالزَهرُ مُصغٍ وَالخَمائِلُ خُشَّعٌ
وَالطَيرُ مُستَمِعٌ عَلى أَفنانِهِ
وَالقُطرُ في شَوقٍ لِأَندَلُسِيَّةٍ
شَوقِيَّةٍ تَشفيهِ مِن أَشجانِهِ

وقد كان ينوي أن يلقيها عليه وهو يخرج من الباخرة القادمة من أسبانيا إلى الأسكندرية، لكنه نشرها بالأهرام قبل وصوله معللاً النشر بقوله:( لقد نشرتها لأنني خفتُ أن أموت قبل أن يسمعها شوقي وقبل أن يقرأها الناس) وكان استاذنا الراحل محمد عبد القادر كرف تلميذ شيخ الطيب السراج الأشهر وأستاذنا للعربية بأمدرمان الأهلية، يوصينا بحفظها ويتمثل بأبيات حافظ في انتقاد عصبة شعراء التفعيلة والقصيدة الحرة بصوته الصادح العميق:

أَهلاً بِشَمسِ المَشرِقَينِ وَمَرحَباً
بِالأَبلَجِ المَرجُوِّ مِن إِخوانِهِ
أَشكو إِلَيكَ مِنَ الزَمانِ وَزُمرَةٍ
جَرَحَت فُؤادَ الشِعرِ في أَعيانِهِ
كَم خارِجٍ عَن أُفقِهِ حَصَبَ الوَرى
بِقَريضِهِ وَالعُجبُ مِلءُ جَنانِهِ
يَختالُ بَينَ الناسِ مُتَّئِدَ الخُطا
ريحُ الغُرورِ تَهُبُّ مِن أَردانِهِ
كَم صَكَّ مَسمَعَنا بِجَندَلِ لَفظِهِ
وَأَطالَ مِحنَتَنا بِطولِ لِسانِهِ
مازالَ يُعلِنُ بَينَنا عَن نَفسِهِ
حَتّى اِستَغاثَ الصُمُّ مِن إِعلانِهِ
نَصَحَ الهُداةُ لَهُم فَزادَ غُرورُهُم
وَاِشتَدَّ ذاكَ السَيلُ في طُغيانِهِ
أَوَ لَم تَرَ الفُرقانَ وَهوَ مُفَصَّلٌ
لَم يَلفِتِ البوذِيَّ عَن أَوثانِهِ

تذكرت شوقي وحافظ وكرف بعد أن راسلني أحد تلاميذي من الصحفيين الشباب برسالة صباحية قبل أيام ( أخي الأستاذ صباحك سعيد. أبشرك بأن أبناء الجزيرة قد طهروا قرى الجزيرة تماماً وأن الجيش يحتسي الآن شاي الصباح في قلب ود مدني، وأن أبطال القوات الخاصة قد ذبحوا الخراف لفطور الصباح وهم يرددون ضبحولنا الكرامة وصبحنا فرحانين
وفي غمرة فرحي بالبشارة كتبت هذا المربع الشعبي (قطع أخدر) :
قالوا الجيش جغم صاموتي شارع القبة
وفك البيرك القحاتي حزب الربة
ود مدني الأمير من ساعتو شب وتبَ
وأغراب الشتات الليلة عدمو الحبة

فإن حدث النصر فهو هتاف السلاح وإن تأجل قليلاً فهي بشارة الكفاح، وحالي في هذا حال شاعر النيل واعتذاره الشفيف ولكم العتبى في هذا وفي ذاك.

** حاشية:
صاموتي التي وردت في البيت الأول هو خليط الحليب بالشاي الساخن وهو اسمٌ مشهور عند أهل الجزيرة
وجغم: هنا هي الارتشاف بحذر لسخونة المشروب، وها نحن نحرك المفردة من عسكرية إلى مدنية.
القبة: هي قبة الرجل الصالح بمدني والتي سمي عليها ذلك الشارع الذي يعرفه الجميع.
ولحسناوات الجزيرة أغنية طبقت الآفاق تردد في أيام الأفراح والليالي الملاح ( ظهرت لي محبة في مدني شارع القُبة) لقد كانت الأيام في الجزيرة أعراس ومواسم فصارت بعد الانسحاب الغامض مآثمٌ ومآتمٌ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.