حسين خوجلي يكتب: وكان للدمعِ التماعة على وجه رفاعة..
حسين خوجلي يكتب:
وكان للدمعِ التماعة على وجه رفاعة..
لو أن هذا الجراد الصحراوي القارض القاتل استمع ولو ليوم واحد لرائعة المستشار جيلي عبد المنعم عباس ابن رفاعة العبقري الفنان وعالم القانون الشهير في رائعة وردي “مرحبا يا شوق” بتداعياتها الوضيئة، لما فعل فعلتهم النكراء في حق هذه المدينة الوادعة.
لم يكن إلا لقاء وافترقنا
كالفراشات على نار الهوى
جئنا إليها واحترقنا
كان طيفا وخيالا ورؤى
ثم ودعنا الأماني وأفقنا
بالذي اودع في عينيك
إلهاما وسحرا
والذي أنزل فيك الحسن
اشراقا وطهرا
لا تدعني للأسى
يدفعنى مدا وجزرا
أثقلت كفي الضراعات
وما تقبلُ عذرا
يا حبيبا بت أشكو حرقة الوجد اليه
وتوسلت ..
نذرت العمر قربانا لديه
ماله لو عاد
فالقلب رهين بيديه
وعيوني ظامئات للهوى من مقلتيه
يا لقلبي ..
عاد من بعد النوى يطوي شراعا
آه بالهوى
يبعث في الروح حنينا واندفاعا
مرحبا يا شوق اغمرني شجونا والتياعا
فوداعا للذي شيدته بين ضلوعي فتداعى
وقد حكى وردي أن صداقة باذخة قامت بينه وبين جيلي عبد المنعم وكان قادماً من حنتوب الثانوية لكلية القانون فأهداني “مرحباً يا شوق” وأهداني “أخادع نفسي بحبك وامنيها” وأيامك التي أهديتها للصديق صلاح بن البادية.
2. ولو أن هذا الجراد الصحراوي القارض القاتل استمع يوماً لحكاية خليل فرح الذي بات اياماً برفاعة في حضور زواج صديق عمره الأديب والوطني سليمان كشة، لما عاثوا في هذه الأرض التاريخية فساداً ولما داسوا عليها بأرجلهم الآسنة، ولكنهم طبعا لم يستمعوا ولن يستمعوا لأصل الحكاية ولا لبقيتها.
وتقول الحكاية أن أصدقاء خليل الذاهبين إلى مدينة ود مدني مارسوا في حقه الخداع الحميد، وكانوا يطمعون في ليلة بغناءه العذب وقصيده الرصين، وقد شغلوه بأنسهم حتى غادر القطار محطة الحصاحيصا، فاضطر للمبيت بمدني ففاتته الليلة الكبرى برفاعة فعوضها باعتذاريته الشهيرة:
قوم نادي عنان واتباعا وقفل حوانيت الباعة
نزلت للدنيا شفاعة سعت امدرمان لرفاعة
ويواصل الخليل تداعياته النابضة بالحياة والابداع إلى أن يصل:
هنا تلقى الخلق الأعرابى لا خوف لا ضيم لا مرابى
ظل الشكرية الكابى والشرف الأصله ركـابى
هنا روعة عصراً ولى وروايــع جيلنــا الهلا
عصبيه تناطح الجله ومدنية منــافيه الــزله
وتأتي نهاية القصيدة بأسفه اللطيف عن الغياب وتوثيقه التاريخي للحدث السعيد:
لا تنسى ليالى العشة وفي الحلة هبــوب الرشة
إتعشى عشاك واتمشى هــوى بيت المــال ما انفش
اعذرنى أخوك إنغش لا اتعــد هــواك لا كــش
أذكرنى ولو بي قشة بيت مــال وعيــال يا كِّشة
3. ولو أن هذا الجراد الصحراوي القارض القاتل استمع للشاعر الوطني الفذ وابن رفاعة الوضئ المتواضع محمد عثمان عبد الرحيم وهو يهدي لكل السودانيين نشيدهم القومي المتفق عليه”أنا سوداني أنا” بكلماته الباهرات التي حفظها واحتفظت بيها كل الأجيال، لما سرقوا حقوق الناس وذكرياتهم ومنازلهم وبيوتهم التي شيدوها عبر مائة عام من الجهاز والاجتهاد والحلال، وقد صدق في حقهم شاعرهم حين وصفهم قائلا:
أيها الناس نحن من نفرٍ
عمروا الأرض حيثما قطنوا
يُذكر المجد حيثما ذكروا
وهو يعتز حين يقترن
حكّموا العدل في الورى
زمنا يا ترى هل يعود ذا الزمن
ردد الدهر حسن سيرتهم
ما بها حِطةُ ولا درنُ
وكثيرون في صدورهم
تتنزى الأحقادُ والإحن
4. ولو أن هذا الجراد القارض القاتل خاصر لمرة واحدة قامة الغزل النظيف والنسيب المعافى لذات الشاعر في رائعة الندامى التي تغنى بها الخير عثمان وجددها كمال ترباس بصوته المخملي المعتق، لما تعدوا على الحرائر ولما مارسوا رذائل التجني على أفضل نساء الأرض، لكنهم من طينة خبيثة لم يخضعوا للحق حين أمر وللشاعر حين قال:
أيها الرافل في ثوبٍ من الحسنِ دواما
ماست الاغصان لما عشقت منك القواما
تتحدي البان ميلآ واعتدالآ وانقساما
وتفوق البدر حسنآ وضياء وابتساما
يا كحيل الطرف يا من أورث القلب سقاما
سل اناسآ درسو في معهد الحب الغرامَ
هل ابيح القتل عمدا في من يري القتل حراما
إن طعم الحب كالصبر وفي الصبر حداقه
غير اني يا حبيب الروح استحلي مذاقه
أنت ممن افسحوا للحسن في الدنيا نطاقه
خلقوا شتى البشاشات وأنواع الطلاقه
5. ولو أن هذا الجراد الصحراوي القارض القاتل استمع يوماً لحداء البادية الفواح بندى الروحِ والخيال ومنظومة القيم العريقة، واستمع لشيخ العرب احمد عوض الكريم ابو سن في مسداره صوب الأباطح وقد ابتدره من رفاعة
رُفـــــــَاعَه الرُبَّة قَافَاها البــــَليب طَربــــــانْ
نــــــــَاطح المِنُّو ميثـــــــاق قلبي مو
خَرْبــــــَانْ
فـــــــوسيبْ السَواقي البي اللَدوب شَرْبــــانْ
بِلودُوْ بعيدة فــــــــــوقْ في بَاديةْ العُرْبــــــــــانْ
6. ولو أنهم استمعوا يوماً لشوق الحردلو الذي حرمه عرس حبيبته بآخر من حضور العيد برفاعة التي أحب بمنظومته التي صارت مدخلا لكل اغنيات التبريح والحرمان،
الزول السمح فات الكبار و القدرو
كان شافوها ناس عبدالله كانوا بعذرو
السبب الحماني العيد في رفاعة احضرو
درديق الشِبيكي البنّتو فوق سدرو
لو أن هؤلاء البُغاة كانوا في قامة هذا الطهر والجمال والشوق المستحيل لما اقتلعوا الشبيكي من على صدور العذارى، والأقراط من أذان الصغيرات، والعطور والمناديل من حقائب الصبايا، لكنها الضِّعة والفجور والجريمة.
7. ولأن هذا الجراد الصحراوي القارض القاتل لم يكتب له أن يستمع لكل هؤلاء الكبار، فإنه قطعاً لم يستمع لصوت الحداثة وأغنيات عمر الشريف ابن رفاعة صاحب الأغنيات المسافرة بالحنين “سامريني” التي اهداها له صديقه الكابلي. “وانت يا راحل” رائعة المغربي التي لحنها عبد الله عربي ووزعها الموسيقار بشير عباس وهي من إليازات الغناء السوداني. كما أنني أرجو من كل قلبي الا تكون أياديهم الآثمة قد طالت مكتبة الإذاعة السودانية التي تحتفظ بكل تراثنا الفكري والفني والثقافي والسياسي والتاريخي.
8. وبعد كل عمليات التدمير والقتل والسحل والحرائق والسرقات والتعدي على الأحرار والحرائر التي احتملتها رفاعة في جلد وتضحية وصبر جميل، فقد قام هؤلاء القتلة اللصوص من المرتزقة والوافدين المتعطشين لدماء شعبنا وكبريائه وكرمه المبذول لكل العابرين والجيران بلا منٍ ولا أذى، قاموا بلا حياءٍ بتصوير كل هذا البشاعة والعذابات والمرارات وأشلاء الضحايا والبيوت بهواتفنا التي سرقوها من أيادي الكرام الذين احتفظوا بها للتواصل النبيل، اطلقوها في الميديا لتعبر عن حقدهم وسقوطهم الذي لم تشهده البشرية منذ زحف المغول وفظائع التتار. ولا أجدُ توصيفا لهذا الصلف والغلظة غير الوصف القرآني المهيب:
(ثُمَّ قَسَت قُلوبُكُم مِن بَعدِ ذٰلِكَ فَهِىَ كَالحِجارَةِ أَو أَشَدُّ قَسوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأَنهٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخرُجُ مِنهُ الماءُ ۚ وَإِنَّ مِنها لَما يَهبِطُ مِن خَشيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغٰفِلٍ عَمّا تَعمَلونَ) صدق الله العظيمش