منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو: أفرزتهم الحرب، وخلّفوا ضغائن ومرارات في النفوس …. المتعاونون مع الميليشيا.. التعامـل ب “القـانون”

0

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو:

أفرزتهم الحرب، وخلّفوا ضغائن ومرارات في النفوس …. المتعاونون مع الميليشيا.. التعامـل ب “القـانون”

أبرياء وعُزّل حصدتهم البنادق بسبب إرشاد المتعاونين..

استحسان قرار البرهان بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول أحداث الجزيرة..

دعوة إلى التبصير بمخرجات لجنة التقصي من أجل إرساء دعائم العدالة..

خليل: لا للإفلات من العقاب، ويجب الالتزام بالضوابط القانونية..

تشهد أروقة محاكم مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة، والمحاكم الخاصة بالجنايات العامة في مختلف ولايات السودان الآمنة حراكاً مستمراً للنظر في حيثيات البلاغات المدونة ضد متعاونين مع ميليشيا الدعم السريع المتمردة والذين يتم توقيفهم إما خلال تحركهم من منطقة لأخرى، أو تسللهم داخل مدن وعواصم الولايات والتزامهم كخلايا نائمة، أو عند دخول القوات المسلحة والقوات المساندة لها إلى مناطق كانت تقع تحت سيطرة الميليشيا المتمردة، وغالباً ما تتم إدانة المتهمين لمخالفتهم نص المواد (50-51-26) من القانون الجنائي لسنة 1991م والخاصة بالتعاون مع القوات المتمردة بالتحريض على التمرد، والاستيلاء على السلطة بالقوة، وتقويض النظام الدستوري، وإثارة الحرب ضد الدولة، وتتفاوت الأحكام الصادرة في حق المدانين بين الإعدام والسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.

المتعاونون:
ومنذ بواكير الحرب التي أشعلت فتيلها ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، بدأت تظهر في قاموس الحرب مفردة المتعاونين مع الميليشيا وهم مواطنون من سكان الأحياء والمناطق التي تجتاحها ميليشيا الدعم السريع حيث يقوم هؤلاء المتعاونون بإرشاد المتمردين على منتسبي القوات المسلحة والقوات النظامية والأجهزة الأمنية بمن فيهم المتقاعدون عن الخدمة، وتمتد أصابع المتعاونين لترشد على من يُطلق عليهم الدعم السريع “الكيزان وفلول النظام السابق”، وحتى المقتدرين من التجار وأصحاب الأموال والأملاك، طالتهم أيادي الميليشيا عن طريق إرشاد المتعاونين، وقد أدت هذه العملية إلى إزهاق أرواح الكثيرين من خلال التصفيات الجسدية المباشرة داخل المنازل وأمام أفراد الأسرة، أو باقتيادهم إلى جهات مجهولة، فمنهم من يعود، ومنهم من يلقى حتفه، ومنهم الكثير الذي ما يزال مجهول المصير.

غبن وآثار نفسية:
قطعاً أثارت هذه العملية غبناً كبيراً، وخلّفت مرارات وآثاراً نفسية سيئة لدى الأسر والعائلات التي تفاجأت بظلم الجار ذي القربى والجار الجُنُب، ويرى الكثيرون أن المتعاونين مع الميليشيا أخطر على المجتمع من الميليشيا نفسها، ويبرهنون على ذلك بحالة الاغتيالات التي تمت بسبب إرشادهم، كما أن كثيراً من المنازل والبيوت قد تعرضت للسلب والنهب على أيدي أقرب الأقربين جواراً ودماً من بعض هؤلاء المتعاونين أو الشفشافة من المنفلتين ومن لهم سابق تجارب إجرامية وليسوا بالضرورة أن يكونوا منتمين إلى إثنية محددة، وتضم قوائم المتعاونين التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية أشخاصاً من مختلف بقاع السودان، من بينهم سياسيون، وإعلاميون، ولاعبو كرة قدم، ورجالات إدارة أهلية، وسياسيون، وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة الذين انحازوا لميليشيا الدعم السريع وتعاطفوا معها كلٌّ من منطلق يخصه شخصياً.

انقلاب الآية:
ومع تقدم خطى الحرب التي شهدت تقدماً واضحاً للقوات المسلحة والقوات المساندة لها في مقابل تراجع باين ضرب ميليشيا الدعم السريع التي فقدت عدة مناطق دخلها الجيش، لتنقلب الآية ويتم الإرشاد على من تعاونوا مع الميليشيا المتمردة بواسطة سكان المناطق والأحياء التي تمت استعادتها من قبل القوات المسلحة والقوات المساندة لها، فتم تسليم عدد من المتعاونين إلى السلطات المختصة لمواجهتهم قانونياً كما أشرنا في مدخل التقرير، وهنالك من المتعاونين من تم التعامل معهم بفقه فشَّ الضغائن ومنطق أخذ القانون باليد مثل ما حدث في ولاية الجزيرة مؤخراً مما أثار ردود أفعال واسعة دفعت رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة إلى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة للتقصي في الانتهاكات التي تمت في هذا الشأن، حيث لقي القرار استحساناً في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، ولكن التحدي يبقى في ضرورة تبصير الرأي العام بمخرجات هذه اللجنة إرساءً لقيم ومفاهيم العدالة.

التعاون الطوعي:
ويرى القانوني والكاتب الصحفي أشرف خليل أن التعاون بما يقابل الاشتراك الجنائي والمعتد به قانوناً هو التعاون الطوعي إذا لا يُعتد بالإكراه وكل عيوب الإرادة الناشبة، وأبان خليل في إفادته للكرامة أن العقوبة تختلف حسب نوع وفداحة الجريمة والآثار المترتبة عليها، وهي تتدرج لتصل إلى عقوبة الإعدام وفقاً للقانون الجنائي السوداني، مؤكداً أن كل جريمة مُعاقب عليها في القانون الجنائي تشمل كل اشتراك جنائي، وزاد: “لأن الجرائم المرتكبة في الحرب تكون واسعة فإننا أمام جرائم متعددة منها” وفصَّل القانوني والصحفي أشرف خليل في الجرائم المرتكبة خلال الحرب وفي مقدمتها جرائم حرب والتي قال إنها تشمل مجموعة واسعة من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، مثل القتل العمد، والتعذيب، والاغتصاب، وتدمير الممتلكات المدنية، وتجنيد الأطفال، ثم الجرائم ضد الإنسانية والتي تتمثل في ارتكاب أفعال وحشية على نطاق واسع أو منهجي ضد السكان المدنيين، مثل القتل، والإبادة، والاسترقاق، والترحيل والتهجير القسري، ثم جرائم أخرى تشمل السرقة، والتخريب، والانتهاكات الجنسية.

عدم الإفلات من العقاب:
وشدد القانوني والكاتب الصحفي الأستاذ أشرف خليل على ضرورة التصدي للانتهاكات المرتكبة والجرائم المُرتَكَبة خلال الحرب بسياسة عدم الإفلات من العقاب والتعاطي وفق الضوابط القانونية المرعية والمعترف بها وذلك لفائدة المجتمع ولمداواة الضحايا، مبيناً أن أي اجتياف وحيف في ملاحقة الجناة سينتج عنه ردود أفعال غير مناسبة، مما يضر بالحقيقة بطمس الجريمة وإعادة تسويق المجرمين كأبطال وضحايا، وطالب خليل القوات المسلحة والقوات المساندة لها أن تتخذ بصرامة الإجراءات المتعلقة بالقبض على المتعاونين، بحيث يجب القبض على جميع المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة، كما ينبغي حماية المدنيين من الانتهاكات، والتعاون مع الجهات القضائية لضمان حصول المتهمين على محاكمة عادلة.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى تجربة المتعاونين مع ميليشيا الدعم السريع من التجارب المريرة التي أفرزتها الحرب وخلّفت وراءها ضغائن ومرارات ستبقى عالقة في النفوس، جراء ما ارتكبه هؤلاء المتعاونون من جرائر في الإرشاد وتوجيه المتمردين إلى أشخاص راح الكثير منهم ضحايا لتصفية حسابات شخصية، ومع ذلك يبقى القانون معياراً لردِّ الحقوق إلى أصحابها وعدم أخذ الناس بالشبهات، فالخطأ لا يُعالج بالخطأ، وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاب من حمل ظلماً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.